عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2014   #19


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ 4 يوم (06:02 PM)
 المشاركات : 10,318 [ + ]
 التقييم :  623076150
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه







شرح كتاب كشف الشبهات والأصول الستة (6)


والواجب على الأمة الإسلامية أن تقابل كل سلاح يصوب نحو الإسلام بما يناسبه، فالذين يحاربون الإسلام بالأفكار والأقوال يجب أن يبين بطلان ما هم عليه الصلاة والسلام بالأدلة النظرية العقلية إضافة إلى الأدلة الشرعية، والذين يحاربون الإسلام من الناحية الاقتصادية يجب أن يدافعوا، بل أن يهاجموا إذا‏.‏

وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح ‏‏‏.‏

وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله‏:‏ ‏{‏تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 89‏]‏ ‏[‏من الله علينا بكتابه العزيز الذي ‏{‏لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ‏}‏‏[‏سورة فصلت، الآية ‏:‏ 42‏]‏ وجعله سبحانه وتعالى تباينًا أي مبينًا لكل شيء يحتاجه الناس في معاشهم ومعادهم ثم إن تباين القرآن‏.‏

للأشياء ينقسم إلى قسمين‏:‏ ـ

الأول‏:‏ أن يبين الشيء بعينه مثل قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 3‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء الآيتان‏:‏ 23، 24‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون التباين بالإشارة إلى موضع البيان مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏‏[‏سورة النساء الآية‏:‏ 113‏]‏‏.‏ فأشار الله تعالى إلى الحكمة التي هي السنة، فإنها تبين القرآن وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏]‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 7‏]‏‏.‏

فهذا يبين أننا نرجع في كل شيء إلى أهله الذين هم أهل

فلا يأتي صاحب باطل إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏}‏ ‏[‏سورة الفرقان، الآية 33‏]‏‏]‏‏.‏

أمكن، بمثل ما يحاربون به الإسلام، والذين يحاربون الإسلام بالأسلحة يجب أن يقاوموا بما يناسب تلك الأسلحة‏.‏ أي أن الخوف من أعداء الأنبياء إنما هو على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح ؛ لأنه ليس له علم يتسلح به فيخشى أن يجادله أحد من هؤلاء المشركين فتضيع حجته فيهلك، فلابد أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات ويفحم به الخصم؛ لأن المجادل يحتاج إلى أمرين‏:‏

الأول‏:‏ إثبات دليل قوله‏.‏

الثاني‏:‏ إبطال دليل خصمه‏.‏

ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة ما هو عليه من الحق، وما عليه الصلاة والسلام خصمه من الباطل ليتمكن من دحض حجته‏.‏

من الله علينا بكتابه العزيز الذي ‏{‏لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ‏}‏ ‏[‏سورة فصلت، الآية‏:‏ 42‏]‏ وجعله سبحانه وتعالى تباينًا أي مبينًا لكل شيء يحتاجه الناس في معاشهم ومعادهم ثم إن تباين القرآن‏.‏

للأشياء ينقسم إلى قسمين‏:‏ ـ

الأول‏:‏ أن يبين الشيء بعينه مثل قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 3‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء الآيتان‏:‏ 23، 24‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون التباين بالإشارة إلى موضع البيان مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏ ‏[‏سورة النساء الآية‏:‏ 113‏]‏‏.‏ فأشار الله تعالى إلى الحكمة التي هي السنة، فإنها تبين القرآن وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏]‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 7‏]‏‏.‏

فهذا يبين أننا نرجع في كل شيء إلى أهله الذين هم أهل

فلا يأتي صاحب باطل إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏}‏ ‏[‏سورة الفرقان، الآية 33‏]‏‏.‏

الذكر به ولهذا يذكر أن بعض أهل العلم أتاه رجل من النصارى يريد الطعن في القرآن الكريم وكان في مطعم فقال له هذا النصراني‏:‏ أين بيان كيف يصنع هذا الطعام‏؟‏ فدعا الرجل صاحب المطعم وقاله له‏:‏ صف لنا كيف تصنع هذا الطعام‏؟‏ فوصفه، فقال ‏:‏ هكذا جاء في القرآن فتعجب النصراني وقال‏:‏ كيف ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ إن الله ـ عز وجل ـ عز وجل ـ يقول‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 12‏]‏‏.‏ فيبين لنا مفتاح العلم بالأشياء بأن نسأل أهل الذكر بها أي أهل العلم به، وهذا من بيان القرآن بلا شك فالإحالة على من يحصل بهم العلم هي فتح للعلم‏.‏

‏[‏قال المؤلف رحمه الله مستدلاً على أن الرجل الموحد ستكون له حجة أبلغ وأبين من حجة غير الموحد مهما بلغ من الفصاحة والبيان كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يأتونك بمثل إلى جئناك بالحق وأحسن تفسيراً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 35‏]‏ أي لا يأتونك بمثل يجادلونك به ويلبسون الحق بالباطل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ولهذا تجد في القرآن كثيراً ما يجيب الله تعالى عن أسئلة هؤلاء المشركين وغيرهم ليبين-عز وجل -للناس الحق وسيكون الحق بيناً لكل أحد‏.‏

ولكن هاهنا أمر يجب التفطن له وهو‏:‏ أنه لا ينبغي للإنسان أن يدخل في مجادلة أحد إلا بعد أن يعرف حجته ويكون مستعداً لدحرها والجواب عنها ، لأنه إذا دخل في غير معرفة صارت العاقبة عليه، إلا أن يشاء الله كما أن الإنسان لا يدخل في ميدان المعركة مع العدو إلا بسلاح وشجاعة ، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه سيذكر في كتابه هذا كل حجة أتى بها المشركون ليحتجوا بها على شيخ الإسلام -رحمه الله- ويكشف هذه الشبهات لأنها في الحقيقة ليست حججاً

‏]‏ لا يأتي مبطل بحجة على باطله إلا وفي القرآن ما يبين هذه الحجة الباطلة، بل إن كل صاحب باطل أستدل لباطله بدليل صحيح من الكتاب والسنة فهذا الدليل يكون دليلًا عليه الصلاة والسلام كما ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ في مقدمة كتابه درء تعارض النقل والعقل أنه ما من صاحب بدعة وباطل يحتج لباطله بشيء من الكتاب أو من السنة الصحيحة إلا كان ذلك الدليل دليلًا عليه وليس دليلًا له‏.‏

قال بعض المفسرين هذه الآية عامة في كل حجة ياتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة، وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابًا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا‏.‏

‏[‏قال المؤلف رحمه الله مستدلًا على أن الرجل الموحد ستكون له حجة أبلغ وأبين من حجة غير الموحد مهما بلغ من الفصاحة والبيان كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 33‏]‏‏.‏ أي لا يأتونك بمثل يجادلونك به ويلبسون الحق بالباطل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا ولهذا تجد في القرآن كثيرًا ما يجيب الله تعالى عن أسئلة هؤلاء المشركين وغيرهم ليبين ـ عز وجل ـ للناس الحق وسيكون الحق بينًا لكل أحد‏.‏

ولكن هاهنا أمر يجب التفطن له وهو‏:‏ أنه لا ينبغي للإنسان أن يدخل في مجادلة أحد إلا بعد أن يعرف حجته ويكون مستعدًا لدحرها والجواب عنها، لأنه إذا دخل في غير معرفة صارت العاقبة عليه، إلا أن يشاء الله كما أن الإنسان لا يدخل في ميدان المعركة مع العدو إلا بسلاح وشجاعة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه سيذكر في كتابه هذا كل حجة أتى بها المشركون ليحتجوا بها على شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ويكشف هذه الشبهات لأنها في الحقيقة ليست حججًا، فنقول‏:‏ جواب أهل الباطل من طريقين‏:‏ مجمل، ومفصل، أما المجمل‏:‏ ـ فهو الأمر العظيم

والفائدة الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏7‏]‏‏.‏

ولكنها تشبيه وتلبيس‏.‏

‏‏ بين رحمه الله تعالى أنه سيجيب على هذه الشبهات بجوابين‏:‏ ـ

أحدهما‏:‏ ـ مجمل عام صالح لكل شبهة‏.‏

الثاني‏:‏ ـ مفصل، وهكذا ينبغي لأهل العلم في باب المناظرة والمجادلة أن يأتوا بجواب مجمل حتى يشمل ما يحتمل أن يورده الملبسون المشبهون ويأتي بجواب مفصل لكل مسألة بعينها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‏}‏ ‏[‏سورة هود، الآية‏:‏ 1‏]‏ فذكر في الجواب المجمل رحمه الله‏:‏ أن هؤلاء الذين يتبعون المتشابه هم الذين في قلوبهم زيغ كما صح ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وقد صح ‏[‏قال الشيخ ـرحمه الله ـ وقد صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه‏.‏ فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم‏)‏ استدل المؤلف ـ رحمه الله ـ عز وجل ـ بهذا الحديث على أن الرجل الذي يتبع المتشابه من القرآن أو من السنة وصار يلبس به على باطله فهؤلاء هم الذين سماهم الله ووصفهم بقوله‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 7‏]‏ الآية ثم أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحذر منهم فقال احذروهم من أن يضلوكم عن سبيل الله‏.‏

مثال ذلك‏:‏ إذا قال لك بعض المشركين‏:‏ ‏{‏أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏، ‏[‏سورة يونس، الآية‏:‏ 62‏]‏‏.‏ وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلامًا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك ‏:‏ إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه‏]‏‏.‏

عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم‏)‏‏.‏

ولهذا تجد أهل الزيغ والعياذ بالله يأتون بالآيات المتشابهات ليلبسوا بها على باطلهم فيقولون مثلًا قال الله تعالى كذا وقال في موضع آخر كذا‏؟‏ فكيف يكون، وهذا مثل ما حصل لنافع ابن الأزرق مع ابن عباس رضي الله عنهما في مناظرته التي ذكرها السيوطي في الإتقان وربما يكون غيره ذكرها وهي مفيدة‏.‏

باتباع هذا المتشابه واحذروا طريقهم أيضًا فالتحذير هنا يشمل التحذير عن طريقهم والتحذير منهم أيضًا، ثم ضرب المؤلف لهم مثلًا بأن يقول لك المشرك أليس الله يقول‏:‏ ‏{‏أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 62‏]‏‏.‏ أوليس للأولياء جاه عند الله سبحانه وتعالى‏؟‏ أو ليست الشفاعة ثابتة القرآن والسنة‏؟‏ وما أشبه ذلك من هذه الأشياء فقل ‏:‏ نعم كل هذا حق ولكنه ليس فيه دليل على أن تشرك بهؤلاء الأولياء، أو بهؤلاء الرسل، أو بهؤلاء الذين عندهم شفاعة عند الله ـ عز وجل ـ ودعواك أن هذا يدل على ذلك دعوى باطلة لا يحتج بها إلا مبطل وما أنت إلا من الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 7‏]‏‏.‏ ولو أنك رددت هذا المتشابه إلى المحكم لعلمت أن هذا لا دليل لك فيه‏.‏

وما ذكرته لك من أن الله تعالى ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم‏:‏ ‏{‏هؤلاء شفعاؤنا عند الله‏}‏ ‏[‏سورة يونس، الآية ‏:‏ 18‏]‏ هذا أم رمحكم بين لا يقدر أحد أن يغير معناه ‏[‏ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ كيف نرد المتشابه إلى المحكم أن المشركين كانوا مقرون بتوحيد الربوبية ويؤمنون بذلك إيمانًا لا شك فيه عندهم ولكنهم يعبدون الملائكة وغيرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ومع هذا كانوا مشركين استباح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دماءهم وأموالهم وهذا نص محكم لا اشتباه فيه دال على أن الله لا شريك له في ألوهيته وفي عبادته كما أنه لا شريك له في ربوبيته وملكه، وأن من أشرك بالله في ألوهيته فهو مشرك وإن وحده في الربوبية‏.‏‏]‏‏.‏

وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله ‏[‏‏قوله ـ رحمه الله ـ ‏"‏ما ذكرت أيها المشرك من كلام الله تعالى وكلام رسوله لا أعرف معناه، ولكني أعلم أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله‏"‏ يريد بقوله ‏:‏ ‏"‏لا أعرف معناه‏"‏ أي لا أعرف معناه الذي

أنت تدعيه، وإنني أنكره ولا اقر به، لأنني أعلم أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا‏}‏‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 82‏]‏، وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ‏}‏‏[‏سورة النحل، الآية ‏:‏ 89‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏‏[‏سورة النحل، الآية ‏:‏ 44‏]‏ وكلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله، وكذلك كلام الله لا يناقض بعضه بعضًا، وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه لا شريك له، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏)‏ ‏[‏البخاري / الإيمان / باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏بني الإسلام على خمس‏"‏ ، ومسلم /كتاب الإيمان/ باب بيان أركان الإسلام‏.‏‏]‏ إلى آخر الحديث، وهذا كله يؤيد بعضه بعضًا، ويدل على أن الله تعالى ليس له شريك في الألوهية كما أنه ليس له شريك في الربوبية‏.‏‏]‏‏.‏

وهذا جواب جيد سديد ‏[‏قوله رحمه الله‏:‏ ‏"‏وهذا جواب جيد سديد‏"‏ يعني قول الإنسان لخصمه أن كلام الله تعالى لا يتناقض، وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله، وأن الواجب رد المتشابه إلى المحكم، فهذا أجاب بجواب سديد أي ساد لمحله لا يمكن لأحد أن يناقضه، أو يرد عليه الصلاة والسلام ما ينقضه لأنه كلام محكم مبني على الدليلين‏:‏ السمعي، والعقلي وما كان كذلك فإنه جواب لا يمكن لأي مبطل أن ينقضه‏]‏‏.‏ ولكن لا يفهمه ‏[‏قوله‏:‏ ‏"‏ولكن لا يفهمه ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ لن الجواب الأول كان مجملًا يرد به الإنسان على كل شبهة، ثم هناك جواب مفصل أي مميز بعضه عن بعض بحيث تدفع به شبهة كل

واحد بعينها‏.‏‏]‏‏.‏

إلا من وفقه الله فلا تستهن به، فإنه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏سورة فصلت، الآية‏:‏ 35‏]‏‏.‏ وأما الجواب المفصل فإن أعداء الله لهم اعتراضات

كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه، منها‏:‏ قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن عبد القادر أو غيره‏.‏

ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله، وأطلب من الله بهم، فجاوبه بما تقدم وهو ‏:‏ أن الذين قاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقرون بما ذكرت، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئًا، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة‏.‏

فإذا قال لك المشرك‏:‏ أنا لا أشرك بالله، بل أشهد انه لا يخلق، ولا يرزق، ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا عمن دونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كعبد القادر يعني ابن موسى الجيلاني ـ على خلاف في اسم أبيه ـ كان من كبار الزهاد في والمتصوفين ولد سنة 471 بجيلان وتوفي سنة 561 في بغداد وكان حنبلي المذهب، وهذا هو التوحيد، فهذه شبهة يلبس بها ولكنها شبهة داحضة لا تفيده شيئًا‏.‏

قوله ‏"‏ولكن أنا مذنب ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏إلخ‏"‏ هذا بقية كلام المشبه، فأجبه بأن ما ذكرت هو ما كان عليه الصلاة والسلام المشركون الذين قاتلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وقرا عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه ‏[‏قوله ‏:‏ ‏"‏واقرأ عليه ما ذكر الله تعالى في كتابه ووضحه‏"‏، يريد بذلك أن تقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه من توحيد الألوهية فإنه جل وعلا أبدأ فيه وأعاد وكرر من أجل تثبيته في قلوب الناس وإقامة الحجة عليهم فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 25‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية ‏:‏ 56‏]‏ وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية ‏:‏ 18‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية 163‏]‏، وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ‏}‏

‏[‏سورة العنكبوت، الآية ‏:‏ 56‏]‏ إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد الله عز وجل في عبادته، وأن لا يعبد أحد سواه، فإذا إقتنع بذلك فهذا هو المطلوب وإن لم يقتنع فهو مكابر معاند يصدق عليه قول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏}‏‏[‏سورة النمل، الآية 14‏]‏‏.‏‏]‏

واستباح دماءهم ونساءهم وأموالهم، ولم يغنهم هذا التوحيد شيئًا‏.‏

فإن قال ‏:‏ هؤلاء ‏‏ الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام‏؟‏ أم كيف تجعلون الأنبياء أصنامًا فجاوبه بما تقدم‏.‏

فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره‏.‏

فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من

قوله‏:‏ ‏:‏ ‏"‏فإن قال‏:‏ هؤلاء‏"‏ يعني أهل الشرك هذه الآيات نزلت في المشركين الذين يعبدون الأصنام وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام‏.‏

فجاوبه بما تقدم أي بأن كل من عبد غير الله فقد جعل معبوده وثنًا فأي فرق بين من عبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء‏؟‏‍‍‍‍‍‍‍‍‍ إذ أن الجميع لا يغني شيئًا عن عابديه‏.‏

‏‏ يقول‏:‏ ‏"‏فإنه‏"‏ أي هذا القائل يعلم أن المشركين قد أقروا بالربوبية، وأن الله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء وخالقه ومالكه، ولكنهم عبدوا هذه الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم فقد اقر بأن مقصودهم كمقصوده ومع ذلك لم ينفعهم هذا الاعتقاد كما سبق‏.‏

يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء، الآية ‏:‏ 57‏]‏ ‏.‏ ويدعون عيسى بن مريم وامه وقد قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآيتان‏:‏ 75‏ :‏76 ]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فأذكر له أن هؤلاء المشركين منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة كما أنت كذلك موافق لهم في المقصود، ومنهم من يعبد الأولياء كما أنت كذلك موافق لهم في المقصود والمعبود، ودليل أنهم يدعوا الأولياء قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 57‏]‏ وكذلك يعبدون الأنبياء كعبادة النصارى المسيح ابن مريم، وكذلك يعبدون الملائكة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ‏}‏‏[‏سورة سبأ، الآية ‏:‏ 40‏]‏ الآية، فتبين بذلك الجواب عن تلبيسه بكون المشركين يعبدون الأصنام وهو يعبد الأولياء والصالحين من وجهين‏:‏

وأذكر له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏سورة سبأ الآيتان‏:‏ 40‏:‏ 41‏]‏

وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 116‏]‏

= الوجه الأول‏:‏ أنه لا صحة لتلبيسه لأن من أولئك المشركين من يعبد الأولياء والصالحين‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ لو قدرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلا الأصنام فلا فرق بينه وبينهم لأن الكل عبد من لا يغني عنه شيئًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وأذكر له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 127‏:‏ 128‏]‏ ‏"‏ الآيتين، هذه معطوفة على قوله سابقًا‏:‏ ‏"‏فأذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ ‏.‏ والمقصود من هذا أن يتبين له أن من الكفار من يعبد الملائكة وهم من خيار خلق الله وأوليائه فيبطل تلبيسه بأن الفرق بينه وبين الكفار أنه هو يدعو الصالحين والأولياء، والكفار يعبدون الأصنام من الأحجار ونحوها‏.‏

‏{‏أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 116‏]‏‏.‏

فقل له ‏:‏ أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر أيضًا من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏؟‏ ‏‏‏.‏

فإن قال‏:‏ ‏‏ الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو

‏ ‏قوله‏:‏ ‏"‏وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ‏}‏ ‏"‏الآية، أي وأذكر له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏‏}‏ لتلقمه حجرًا في أن الكفار كانوا يعبدون الأولياء والصالحين، فلا فرق بينه وبين أولئك الكفار‏.‏

‏‏ قوله‏:‏ ‏"‏فقل له ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ أي قل ذلك مبينًا له أن الله سبحانه وتعالى كفر من عبد الصالحين، ومن عبد الأصنام والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله قاتلهم على هذا الشرك ولم ينفعهم أن كانا المعبودون من أولياء الله وأنبيائه‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فإن قال‏"‏ يعني هذا المشرك، الكفار يريدون منهم أي يريدون أن ينفعوهم أو يضروهم وأنا لا أريد إلا من الله، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، وأنا لا أعتقد فيهم ولكن أتقرب بهم إلى الله ـ عز وجل ـ ليكونوا شفعاء‏.‏

النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه، والصلاحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم‏.‏

فالجواب‏:‏ أن هذا قول الكفار سواء بسواء وأقرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى‏}‏ ‏[‏سورة الزمر، الآية‏:‏ 3‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏سورة يونس، الآية‏:‏ 18‏]‏‏.‏




 
 توقيع : مفرح التليدي



رد مع اقتباس