عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2014   #21


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ 4 يوم (06:02 PM)
 المشاركات : 10,318 [ + ]
 التقييم :  623076150
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه






شرح كتاب كشف الشبهات والأصول الستة (8)


يقول رحمه الله‏:‏ إنهم إذا قالوا هذا، يعني أنهم يشهدون أن لا ‏إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ

يعني فكيف يكونون كفارًا‏؟‏ ‏.‏

وجوابه أن يقال‏:‏

إن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذب به، فهو كمن كذب بالجميع وكفر به ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء الآيتان ‏:‏ 150،151‏]‏ وقوله تعالى في بني إسرائيل ‏{‏أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية 85‏]‏‏.‏ ثم ضرب المؤلف لذلك أمثلة‏:‏

المثال الأول‏:‏ الصلاة فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏أو أقر بالتوحيد ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏إلخ‏"‏ هذا هو المثال الثاني وهو من أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافرًا‏.‏

ومن أقر بهذا كله ‏‏ وجحد البعث كفر بالإجماع، وحل دمه وماله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 150‏]‏‏.‏

المثال الثالث‏:‏ من أقر بوجوب ما سبق وجحد وجوب الصوم فإنه يكون كافرًا‏.‏

المثال الرابع‏:‏ من أقر بذلك كله وجحد وجوب الحج فإنه كافر، واستدل المؤلف على ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية ‏:‏ 97‏]‏‏.‏

قول المؤلف رحمه الله ‏"‏ولما لم ينقد ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ ظاهره أن للآية سبب نزول هو هذا ولم أعلم لما ذكره الشيخ دليلًا‏.‏

‏ قوله‏:‏ ‏"‏ومن أقر بهذا كله‏"‏ أي بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووجوب الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، لكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالله لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة التغابن، الآية‏:‏ 7‏]‏ وقد حكى المؤلف رحمه الله الإجماع على ذلك‏.‏

ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا أولئك هم الكافرون حقًا وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآيتان‏:‏ 150،151‏]‏‏.‏

فإذا كان الله قد صرح في كتابه ‏:‏ أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقًا زالت هذه الشبهة، وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الإحساء في كتابه الذي أرسله إلينا‏.‏

ويقال أيضًا ‏‏ إذا كنت تقر أن من صدق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل شيء وجحد وجوب الصلاة أنه كافر حلال الدم‏.‏

‏‏ قوله‏:‏ ‏"‏كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 150‏]‏ الآية، سبق الكلام على هذه الآية وقد ساقها المؤلف مستدلًا بها على أن الإيمان ببعض الحق دون بعض كفر بالجميع كما قرره بقوله‏.‏

‏ لا أعلم عن هذا الكتاب شيئًا فليبحث عنه‏.‏

‏‏ قوله‏:‏ ‏"‏ويقال أيضًا إذا كنت تقر أن من صدق الرسول ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا جواب ثان فإن مضمونه أنك إذا عرفت وأقررت بأن من جحد الصلاة والزكاة والصيام والحج والبعث كافر بالله العظيم، ولو أقر بكل ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ سوى ذلك فكيف تنكر أن يكون من جحد التوحيد

المال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله لا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن كما قدمنا‏.‏

فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من هذه الأمور كفر ولو عمل بكل

وأشرك بالله تعالى كافرًا‏؟‏ إن هذا لشيء عجيب، أن تجعل من جحد التوحيد مسلمًا، ومن جحد وجوب هذه الأشياء كافرًا، مع أن التوحيد هو أعظم ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو أعم ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو أعم ما جاءت به الرسل، فجميع الرسل قد أرسلت به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 25‏]‏ وهو أصل هذه الواجبات التي يكفر من أنكر وجوبها إذ لا تصح إلا به كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏، ‏[‏سورة الزمر، الآية‏:‏ 65‏]‏ ‏.‏ فإذا كان من أنكر وجوب الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج، أو أنكر البعث كافرًا، فمنكر التوحيد أشد كفرًا وأبين وأظهر‏.‏

ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏؟‏ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر‏؟‏ سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل ويقال أيضًا‏:‏ هؤلاء أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويؤذنون ويصلون‏.‏

قوله ‏:‏ ‏"‏ويقال أيضًا هؤلاء أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا جواب ثالث ومضمونه أن الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مسيلمة وأصحابه ‏[‏‏‏ أخرجه البخاري / كتاب استتابة المرتدين / باب قتل من أين قبول الفرائض‏.‏‏]‏، واستحلوا دماءهم وأموالهم مع أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويؤذنون، ويصلون وهم إنما رفعوا رجلًا إلى مرتبة جبار السموات والأرض أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوقًا إلى منزلة مخلوق آخر‏؟‏‍ وهذا أمر واضح، ولكن كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الروم، الآية‏:‏ 59‏]‏ ‏.‏

فإن قال إنهم يقولون‏:‏ إن مسيلمة نبي‏.‏

فقل‏:‏ هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلًا إلى رتبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيًا أو نبيًا إلى مرتبة جبار السموات والأرض‏؟‏ سبحان الله، ما أعظم شأنه ‏{‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الروم، الآية 59‏]‏‏.‏

ويقال أيضًا ‏‏قوله‏:‏ ‏"‏ويقال أيضاً إن الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ ، هذا جواب رابع فقد كان هؤلاء يدعون الإسلام ، وتعلموا من الصحابة ومع ذلك لم يمنعهم هذا من الحكم بكفرهم ، وتحريقهم بالنار لأنهم قالوا في علي ابن أبي طالب إنه إله، مثل ما يدعي هؤلاء بمن يؤلهونهم، كشمسان وغيره‏.‏‏)‏ الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

فكيف أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتل هؤلاء، أتظنون أن الصحابة رضي الله عنهم يجمعون على قتل من لا بالنار كلهم يدعون الإسلام وهم من أصحاب علي رضي الله عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وامثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم‏؟‏ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين‏؟‏ أم تظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكفر‏؟‏

ويقال أيضًا ‏:‏ بنو عبيد القداح ‏ الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن يحل قتله، وتكفير من ليس بكافر‏؟‏‏!‏ ذلك لا يمكن أم تظنون أن الاعتقاد في علي بن أبي طالب يضر‏.‏

‏ قوله‏:‏ ‏"‏ويقال أيضًا بنو عبيد القداح ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا جواب خامس وهو إجماع العلماء على كفر بني عبيد القداح الذين ملكوا مصر والمغرب وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعات ويدعون أنهم مسلمين، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهم وأستنفذوا ما بأيديهم‏.‏

محمدًا رسول الله، ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى أستنفذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين‏.‏

ويقال أيضًا ‏‏ إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين

قوله ‏:‏ ‏"‏ويقال أيضًا إذا كان الأؤلون لم يكفروا إلا أنهم ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا جواب سادس مضمونه أنه إذا كان الأؤلون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر من الشرك والتكذيب والاستكبار فما معنى ذكر أنواع من الكفر في ‏ (‏باب حكم المرتد‏)‏ كل نوع منها يكفر حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب، فلولا أن الكفر يحصل بفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيمًا في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة‏.‏

يقول رحمه الله تعالى‏:‏ ومما يدفع شبه هؤلاء، هم الفقهاء في كل مذهب ذكروا في كتبهم ‏(‏باب حكم المرتد وذكروا أنواعًا كثيرة، حتى ذكروا الكلمة يذكرها الإنسان بلسانه ولا يعتقدها بقلبه، أو يذكرها الإنسان بلسانه ولا يعتقدها بقلبه، أو يذكرها على سبيل المزح، ومع ذلك كفروهم وأخرجوهم من الإسلام بها وسيأتي لذلك مزيد بيان وإيضاح‏.‏

الشرك وتكذيب الرسول والقرآن، وإنكار البعث وغير ذلك فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب ‏:‏ ‏(‏باب حكم المرتد‏)‏ وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعًا كثيرة كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله، حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب‏.‏

ويقال أيضًا‏:‏ الذين قال الله فيهم ‏[‏قوله‏:‏ ‏"‏ويقال أيضاً الذين قال الله فيهم ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا‏}‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا جواب سابع مضمونه واقعتان‏:‏

الأولى‏:‏ أن الله تعالى حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون‏.‏

الثانية‏:‏ أنه حكم بكفر المنافقين الذين أستهزؤا بالله وآياته ورسوله وقالوا ‏"‏ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء‏"‏ ‏[‏ ابن جرير الطبري جـ14 وابن كثير جـ2 ص 381‏.‏‏]‏ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء فأنزل الله فيهم ‏{‏ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله ولقد قالوا كلمة كفر وكفروا بعد إسلامهم‏}‏ ‏[‏سورة التوبة الآية‏:‏ 74‏]‏ أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه ويصلون ، ويزكون ، ويحجون، ويوحدون ، وكذلك الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ولا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 65‏:‏ 66‏]‏‏.‏

‏{‏كنتم تستهزؤن ولا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‏}‏‏[‏ التوبة‏:‏ 66‏]‏ ‏.‏ فحكم بكفرهم بعد إيمانهم مع أنهم ذكروا أنهم كانوا يستهزؤن ولم يقولوا ذلك على سبيل الجد وكانوا يصلون ويتصدقون ، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن الجواب على هذه الشبهة من أنفع ما في هذه الأوراق‏.‏

ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ومن الدليل على ذلك‏"‏ أي على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏أجعل لنا آلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 138‏]‏ لتركبن سنن من كان قبلكم‏"‏ ‏وهذا يدل على أن موسى ومحمداً عليهما الصلاة والسلام قد أنكرا ذلك غاية الإنكار وهذا هو المطلوب، فإن هذين النبيين الكريمين لم يقرا أقوامهما على هذا الطلب الذي طلبوه بل أنكراه‏.‏

وقد شبه بعض المشركين في هذا الدليل فقال‏:‏ إن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك‏.‏‏]‏ ‏{‏يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 74‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ويقال أيضًا الذين قال الله فيهم ‏{‏يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 74‏]‏‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا جواب سابع مضمونه واقعتان‏:‏

الأولى‏:‏ أن الله تعالى حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون‏.‏

الثانية‏:‏ أنه حكم بكفر المنافقين الذين أستهزؤا بالله وآياته ورسوله وقالوا ‏"‏ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء‏"‏ ‏[‏ابن جرير الطبري جـ14 وابن كثير جـ2 ص 381‏.‏

‏]‏‏.‏ يعني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه القراء فأنزل الله فيهم ‏{‏يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ‏}‏ ‏[‏سورة التوبة الآية‏:‏ 74‏]‏ أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجاهدون معه ويصلون، ويزكون، ويحجون، ويوحدون، وكذلك الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 65‏:‏ 66‏]‏‏.‏

‏.‏ فحكم بكفرهم بعد إيمانهم مع أنهم ذكروا أنهم كانوا يستهزؤن ولم يقولوا ذلك على سبيل الجد وكانوا يصلون ويتصدقون، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن الجواب على هذه الشبهة من أنفع ما في هذه الأوراق‏.‏

ومن الدليل على ذلك أيضًا ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ومن الدليل على ذلك‏"‏ أي على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 138‏]‏ ‏(‏لتركبن سنن من كان قبلكم‏)‏ ‏[‏أخرجه الأمام أحمد ‏(‏5/218‏)‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏‏]‏ وهذا يدل على أن موسى ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام قد أنكرا ذلك غاية الإنكار وهذا هو المطلوب، فإن هذين النبيين الكريمين لم يقرا أقوامهما على هذا الطلب الذي طلبوه بل أنكراه‏.‏

وقد شبه بعض المشركين في هذا الدليل فقال‏:‏ إن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك‏.‏

‏{‏اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 138‏]‏ وقول أناس من الصحابة‏:‏ ‏(‏أجعل لنا ذات أنواط‏)‏ فحلف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن هذا نظير قول بني إسرائيل أجعل لنا إلهًا‏.‏

ولكن المشركين شبهة يدلون عند هذه القصة وهي أنهم يقولون‏:‏ إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك، وكذلك الذين قالوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا‏.‏

فالجواب‏:‏ أن نقول إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يفعلوا ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا وهذا هو المطلوب‏.‏

ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل ‏(‏التوحيد فهمناه‏)‏ أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان‏.‏

هذا شروع في بيان ما تفيده هذه القصة أعني قصة الأنواط وبني إسرائيل من الفوائد‏:‏

وتفيد أيضًا أن المسلم المجتهد ‏ إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

وتفيد أنه لو لم يكفر ‏‏ فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظًا

الفائدة الأولى‏:‏ أن الإنسان وإن كان عالمًا قد يخفى عليه بعض أنواع الشرك، وهذا يوجب على الإنسان أن يتعلم ويعرف حتى لا يقع في الشرك وهو لا يدري، وأنه إذا قال أنا أعرف الشرك وهو لا يعرف كان ذلك من أخطر ما يكون على العبد، لأن هذا جهل مركب شر من الجهل البسيط، لأن الجاهل جهلًا مركبًا فإنه يظن نفسه عالما وهو جاهل فيستمر فيما هو عليه من العمل المخالف للشريعة‏.‏

‏ ‏قوله‏:‏ ‏"‏وتفيد أيضًا أنه لو لم يكفر ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذه هي الفائدة الثانية، أن المسلم إذا قال ما يقتضي الكفر جاهلًا بذلك ثم نبه فأنتبه وتاب في الحال فإن ذلك لا يضره لأنه معذور بجهله ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، أما لو إستمر على ما علمه من الكفر فإنه يحكم بما تقتضيه حاله‏.‏

‏‏ قوله‏:‏ ‏"‏وتفيد أيضًا لو لم يكفر ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏إلخ‏"‏ هذه هي الفائدة الثالثة، أن الإنسان وإن كان لا يدري عن الشيء إذا طلب

شديدًا كما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

وللمشركين شبهة أخرى ‏‏ يقولون‏:‏ إن النبي صلى الله

ما يكون به الكفر فإنه يغلظ عليه تغليظًا شديدًا ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه ‏"‏الله أكبر إنها السنن لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة‏"‏ وهذا إنكار ظاهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وللمشركين شبهة أخرى ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏)‏ يعني للمشركين المشبهين شبهة أخرى مع ما سبق من الشبهات وهي ‏:‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنكر على أسامة بن زيد رضي الله عنه قتل الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله فقال‏:‏ ‏(‏أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله‏)‏ وما زال يكررها عليه الصلاة والسلام على أسامة حتى قال أسامة‏:‏ ‏(‏تمنيت أني لم أكن أسلمت بعد‏)‏ ‏ وكذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله‏)‏ وأمثال ذلك من الأحاديث التي يستدلون بها على أن من قال ‏:‏ ‏"‏لا إله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال ‏"‏ لا إله إلا الله‏"‏، وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر، ولا يقتل ولو فعل ما فعل‏.‏

فيقال لهؤلاء المشركين الجهال‏:‏ معلوم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون ‏:‏ لا إله إلا الله، وأن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار‏‏‏.‏

إلا الله‏"‏ لا يكفر ولا يقتل وإن على الشرك من جهة أخرى، وهذا من الجهل العظيم، فليس قول ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ منجيًا من عذاب النار ومخلصًا للإنسان من الشرك إذا كان يشرك من جهة أخرى‏.‏

‏ قوله‏:‏ ‏"‏فيقال لهؤلاء المشركين الجهال‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا جواب الشبهة التي أوردها هؤلاء الجهال فيما سبق وجوابها بما يلي‏:‏

أولًا‏:‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون لا إله إلا الله‏.‏

ثانيًا‏:‏ أن الصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله

وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله‏.‏ وأن من جحد شيئًا من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعًا من الفروع، وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه‏؟‏ ‏‏ ‏.‏

ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث ‏:‏ فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلًا إدعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما أدعى‏.‏

إلا الله‏.‏ وأن محمد رسول الله ويصلون ويدعون أنهم مسلمون‏.‏

ثالثأ‏:‏ أن الذين حرقهم علي بن أبي طالب كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ هذا إلزام لهؤلاء الجهال واحتجاج عليهم بمثل ما قالوا به، فقد قالوا إن من أنكر البعث فإنه يقتل كافرًا، ويقولون من جحد وجوب شيء من أركان الإسلام، فإنه يحكم بكفره ويقتل وإن قال لا إله إلا الله، فكيف لا يكفر ولا يقتل من يجحد التوحيد هو أساس الدين وإن قال لا إله إلا الله ‏؟‏‏!‏ أفلا يكون هذا أحق بالتكفير ممن جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة ‏؟‏‏!‏، وهذا إلزام صحيح لا محيد عنه‏.‏

الإسلام إلا خوفًا على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، وأنزل الله تعالى في ذلك ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 94‏]‏ أي فتثبتوا، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتبينوا‏}‏ ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبيت معنى ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏)‏ يعني الأحاديث التي شبهوا بها ثم أخذ رحمه الله يبين معناها فقال‏:‏

فأما حديث أسامة، يعني الحديث الذي قتل فيه أسامة رضي الله عنه من قال لا إله إلا الله حين لحقه أسامة ليقتله وكان مشركًا، فقال‏:‏ ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏، فقتله أسامة لظنه أنه لم يكن مخلصًا في قوله وإنما قاله تخلصًا فليس فيه دليل على أن كل من قال ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ فهو مسلم ومعصوم الدم، ولكن فيه دليل على أنه يجب الكف عمن قال ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏، ثم بعد ذلك ينظر في حاله حتى يتبين وأستدل المؤلف لذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏94‏]‏‏.‏ الآية، فأمر الله تبارك وتعالى بالتبين أي التثبت وهذا يدل على أنه إذا تبين أن الأمر كان خلاف ما كان وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه أن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين ما يناقض ذلك والدليل على هذا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ‏:‏ ‏(‏أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله‏)‏ وقال ‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله‏)‏ هو الذي قال في الخوارج ‏(‏أينما لقيتموهم فأقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عادٍ‏)‏ مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلًا وتسبيحًا، حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم لا إله إلا الله، ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة‏.‏

عليه فإنه يجب أن يعامل بما يتبين من حاله، فإذا بان منه ما يخالف الإسلام قتل ولو كان لا يقتل مطلقًا إذا قالها لم يكن فائدة للأمر بالتثبت‏.‏

وعلى كل حال فإن حديث أسامة رضي الله عنه ليس فيه دليل على أن من قال ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ وهو مشرك يعبد الأصنام والملائكة والجن وغير ذلك يكون مسلمًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وكذلك الحديث الآخر وأمثاله‏"‏ يريد بالحديث الآخر قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏) فبين رحمه الله تعالى أن معنى الحديث أن من أظهر الإسلام‏.‏

وجب الكف عنه حتى يتبين أمره، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فتبينوا‏}‏ لأن الأمر بالتبين يحتاج إليه إذا كنا في شك من ذلك، أما لو كان قوله ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ بمجرده عاصمًا من القتل فإنه لا حاجة إلى التبين، ثم استدل المؤلف ـ رحمه الله ـ لما ذهب إليه بأن الذي قال لأسامة ‏"‏أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله‏"‏ ‏‏ وقال ‏"‏ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏"‏‏‏ هو الذي أمر بقتال الخوارج وقال ‏"‏إينما لقيتموهم فاقتلوهم‏"‏‏مع أن الخوارج يصلون ويذكرون الله ويقرؤون القرآن، وهم قد تعلموا من الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك لم ينفعهم ذلك شيئًا ؛ لأن الإيمان لم يصل إلى قلوبهم كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏إنه لا يجاوز حناجرهم‏)‏‏

وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود، وقتال الصحابة بني حنيفة، وكذلك أراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ‏}‏ ‏[‏سورة الحجرات، الآية ‏:‏ 6‏]‏‏.‏ وكان الرجل كاذبًا عليهم، وكل هذا يدل على أن مراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه ‏‏‏.‏

ولهم شبهة أخرى ‏:‏ وهو ما ذكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالوا‏:‏ فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا‏.‏

والجواب‏:‏ أن نقول سبحان من طبع على قلوب أعدائه فإن

وهو أن مجرد قول ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ ليس مانعًا من القتل بل يجوز قتال من قالها إذا وجد سبب يقتضي قتاله‏.‏

الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال الله تعالى في قصة موسى‏:‏ ‏{‏فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ‏}‏ ‏[‏سورة القصص، الآية‏:‏15‏]‏‏.‏ وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم في الأشياء التي لا عليها إلا الله‏‏‏.‏

إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب

قوله‏:‏ ‏"‏ولهم شبهة أخرى‏"‏ يعني في أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا وقد أجاب عنها بجوابين‏:‏

الأول‏:‏ أن هذه استغاثة بمخلوق فيما يقدر عليه وهذا لا ينكر لقوله تعالى في قصة موسى‏:‏ ‏{‏فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 16‏]‏‏.‏

الجواب الثاني‏:‏ أن الناس لم يستغيثوا بهؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة، ولكنهم يستشفعون بهم عند الله ـ عز وجل ـ ليزيل هذه الشدة، وهناك فرق بين من يستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء، ومن يستشفع بالمخلوق إلى الله عنه ذلك‏.‏

الموقف وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك فتقول له‏:‏ أدع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألونه ذلك في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعائه نفسه‏؟‏ ‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏إلخ‏"‏ هذا هو الجواب الثاني وهو أن استغاثتهم بالأنبياء من باب طلب دعائهم إلى الله عز وجل أن يريح الخلق من هذا الموقف العظيم، وليس دعاء لهم، بل طلب دعائهم لربهم عز وجل، وهذا أمر جائز كما أن الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدعو الله لهم، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله عليه وسلم يخطب فقال ‏:‏ ‏"‏يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، ولم يقل فأغثنا يا رسول الله، بل قال ‏:‏ ‏"‏فادع الله يغيثنا‏"‏ ثلاث مرات، فأنشأ الله سبحانه وتعالى سحابة فأمطرت، ولم يرو الشمس أسبوعًا كاملًا والمطر ينهمر، وفي الجمعة التالية

‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏

دخل رجل أو الرجل الأول فقال‏:‏ ‏(‏يا رسول الله غرق المال، وتهدم البناء فادع الله تعالى يمسكها عنا‏)‏ فدعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه وقال‏:‏ ‏(‏اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر‏)‏، انفجرت السماء وخرج الصحابة يمشون في الشمس‏.‏

فهذا طلب دعاء من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لله عز وجل وليس دعاء لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا استغاثة به، وبهذا يعرف أن هذه الشبهة التي لبس بها هؤلاء شبهة لا تنفعهم بل هي حجة داحضة عند الله عز وجل‏.‏

ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا بأس أن تأتي لرجل صالح تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذك ديدنًا له كلما رأى رجلًا صالحًا قال أدع الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف رضي الله عنهم، وفيه إتكال على دعاء الغير، ومن االمعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيرًا له لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل فإن الدعاء من العبادة كما قال الله

ولهم شبهة ‏‏ أخرى وهي ‏:‏ قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال‏:‏ ألك حاجة‏؟‏ فقال

تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة غافر، الآية‏:‏ 60‏]‏‏.‏ الآية، والإنسان إذا دعا ربه بنفسه فإنه ينال أجر العبادة ثم يعتمد على الله عز وجل في حصول المنفعة ودفع المضرة، بخلاف ما إذا طلب من غيره أن يدعو الله له فإنه يعتمد على ذلك الغير وربما يكون تعلقه بهذا الغير أكثر من تعلقه بالله عز وجل، وهذا الأمر فيه خطورة وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله ‏"‏إذا طلب الإنسان من شخص أن يدعو له أن ينوي بذلك نفع ذلك الغير بدعائه له، فإنه يؤجر على هذا وربما ينال ما جاء به الحديث أن الرجل إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين ولك بمثلها‏.‏

‏ قوله‏:‏ ‏"‏ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏‏.‏ والجواب عن هذه الشبهة‏:‏

أن جبريل إنما عرض عليه أمرًا ممكنًا يمكن أن يقوم به فلو أذن الله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه الله تعالى من القوة فإن جبريل كما وصفه الله تعالى‏:‏ ‏{‏شَدِيدُ الْقُوَى‏}‏ ‏[‏سورة النجم الآية‏:‏ 5‏]‏ فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكان بعيد عنهم‏.‏

إبراهيم ‏:‏ أما إليك فلا، قالوا‏:‏ فلو كانت الاستغاثة بجبريل شركًا لم يعرضها على إبراهيم ‏؟‏ فالجواب‏:‏ أن هذا من جنس الشبهة الأولى‏:‏ فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه، فإنه كما قال الله تعالى فيه‏:‏ ‏{‏شَدِيدُ الْقُوَى‏}‏ ‏[‏سورة النجم، الآية‏:‏5‏]‏ فلو أذن الله له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يضع إبراهيم في مكان بعيد عنهم لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل، وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلًا محتاجًا فيعرض عليه أن يقرضه، أو أن يهبه شيئًا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحد‏.‏ فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون‏؟‏‏!‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏

لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل‏.‏

ثم ضرب المؤلف بهذا مثلًا رجل غني أتى إلى فقير فقال هل لك حاجة في المال‏؟‏ من قرض أو هبة أو غير ذلك‏؟‏ فإنما هذا مما يقدر عليه، ولا يعد هذا شركًا لو قال نعم لي حاجة أقرضني، أو هبني لم يكن مشركًا‏.‏

ولنختم الكلام ‏‏ ـ إن شاء الله تعالى ـ بمسألة عظيمة مهمة جدًا تفهم مما تقدم، ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها، ولكثرة الغلط فيها فنقول‏:‏ لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن أختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلمًا، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما‏.‏

ختم المؤلف هذه الشبهات بمسألة عظيمة هي‏:‏

أنه لابد أن يكون الإنسان موحدًا بقلبه وقوله وعمله فإن كان موحدًا بقلبه ولكنه لم يوحد بقوله أو بعمله فإنه غير صادق في دعواه، لأن توحيد القلب يتبعه توحيد القول والعمل لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري / كتاب الأستسقاء / باب الأستسقاء في خطبة الجمعة، ومسلم / كتاب صلاة الأستسقاء / باب الدعاء في الأستسقاء‏.‏‏]‏ فإذا من جنس فرعون الذين كان مستيقنًا بالحق عالمًا به لكنه أصر وعاند وبقي على ما كان عليه من دعوى الربوبية، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏سورة النمل، الآية‏:‏14‏]‏‏.‏

وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون‏:‏ هذا حق ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، وغير ذلك من الأعذار ‏‏.‏

ولم يدر المسكين ‏‏ أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق،

وقال تعالى عن موسى أنه قال لفرعون

‏{‏لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء، الآية‏:‏ 102‏]‏‏.‏

‏ قوله ‏:‏ ‏"‏وهذا يغلط فيه كثير من الناس‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏"‏ يعني أن كثيرًا من الناس يعرف الحق في هذا ويقولون نحن نعرف أن هذا هو الحق ولكننا لا نقدر عليه لمخالفته أهل بلدنا ونحو ذلك من الأعذار، وهذا العذر لا ينفعهم عند الله ـ عز وجل ـ لأن الواجب على المرء أن يلتمس رضا الله عز وجل ـ ولو سخط الناس، وأن لا يتبع رضا الناس بسخط الله عز وجل، وهذا يشبه من يحتجون بما كان عليه آباؤهم وهم الذين حكى الله عنهم ‏{‏وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الزخرف، الآية‏:‏ 23‏]‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ولم يدر المسكين‏"‏ أي المعدم من الفقه والبصيرة أن غالب أئمة الكفر كانوا يعرفون الحق لكنهم كانوا يعرفون الحق لكنهم عائدوا فخالفوا ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏سورة التوبة، الآية‏:‏ 9‏]‏‏.‏ وغير ذلك من الآيات كقوله‏:‏ ‏{‏يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏146‏]‏‏.‏

فإن عمل بالتوحيد عملًا ظاهرًا ‏وهو لا يفهمه، أو لا

الحق كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 146‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏أشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا‏}‏ ‏[‏اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا‏]‏ فكانوا يعتذرون بأعذار لا تنفعهم كخوف بعضهم من فوات الرئاسة وتصدر المجالس ونحو ذلك‏.‏

فكثير من أئمة الكفار يعرفون الحق ولكنهم يكرهونه ولا يتبعونه، ومعرفة الحق دون العمل به أشد من الجهل بالحق، لأن الجاهل بالحق يعذر، وقد يعلم فيتنبه ويتعلم بخلاف المعاند المستكبر، ولهذا كان اليهود مغضوبًا عليهم‏.‏

يقول رحمه الله‏:‏ فإن عمل بالتوحيد ظاهرًا أي باللسان والجوارح، ولكنه لم يعتقده بقلبه ولم يفهمه فإنه منافق، وهو شر من الكافر المصرح بكفره لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن المنافقين في

يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شرمن الكافر الخالص لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 145‏]‏ ‏.‏

وهذه المسألة كبيرة طويلة ‏ تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا، أو جاه، أو مداراة لأحد، وترى من يعم لبه ظاهرًا لا باطنًا فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله‏:‏

وهذا ظاهر فيمن كان معاندًا يعلم الحق ولكنه كرهه بقلبه ولم يطمئن إليه، ولم يستقر به، ولكنه أظهر الإلتزام بالشريعة خداعًا الله ولرسوله وللمؤمنين، وأما من كان لا يفهمه بالكلية ولا يدري ولكنه يعمل كما يعمل الناس ولم يتبين له ذلك الشيء الذي يعملونه والمقصود منه، فإن الواجب أن يبلغ ويعلم، فإن أصر على ما هو عليه من إنكاره بقلبه فهو منافق‏.‏

‏بين رحمه الله ـ أن هذه المسألة مسألة كبيرة طويلة يعني أن تتبعها يطول بواسطة أن كثيرًا من الناس قد يأبى الحق خوفًا من أن يلام عليه، أو رجاء لجاه أو دنيا، فيحتاج أن يتتبع أحوال الناس ويعرفها تمامًا حتى يعلم من هو منافق ومن هو مؤمن إيمانًا خالصًا‏.‏

أولاهما ‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة التوبة‏:‏ الآية‏:‏ 96‏]‏، فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر، أو يعمل به خوفًا من نقص مال، أو جاه، أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها‏.‏

‏يحث المؤلف رحمه الله على تدبر آيتين من كتاب الله عز وجل‏:‏

أولاهما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ‏}‏ وهذه الآية نزلت في المنافقين الذين سبوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه القراء‏.‏

فالمؤلف ـ رحمه الله ـ يقول إذا كان هؤلاء المنافقون الذين غزو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك كفروا بكلمة قالوها على سبيل المزاح لا على سبيل الجد فما بالك بمن يكفر كفرًا جديًا يريده بقلبه من أجل خوف فوات مركز، أو جاه، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون أعظم وأعظم، فالواقع أن كلهم كفروا بعد إيمانهم سواء فعلوا ذلك استهزاء أو فعلوه على سبيل الجد والكفر، خوفًا أو رجاء، فإن كل إنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر فهو منافق على أي وجه كان‏.‏

والآية الثانية‏:‏ ‏‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 106‏]‏ ‏.‏ فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنًا بالإيمان وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفًا أو مداراة، أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره‏.‏

فالآية تدل على هذا ‏ من جهتين‏:‏

الأولى‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 107‏]‏ فلم يستثن الله تعالى إلا

‏هذه هي الآية الثانية التي حث المؤلف رحمه الله تعالى على تدبرها وهذه الآية تدل على أنه لا يعذر أحد كفر بعد إيمانه إلا من كان مكرها، وأما من كفر على سبيل الأختيار لأي غرض من الأغراض سواء كان مزاحًا، أو مشحة في وظيفة، أو دفاعًا عن وطن، أو ما أشبه ذلك فإنه يكون كافرًا، فالله عز وجل لم يعذر من كفر إلا من كان مكرها بشرط أن يكون قلبه مطمئنًا بالأيمان‏.‏

‏أي أن الله تعالى لم يستثن في الآية من الكافرين إلا من أكره، والإكراه لا يكون إلا على القول أو الفعل، أما عقيدة القلب المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد‏.‏

والثانية‏:‏ ‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 107‏]‏‏.‏ فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل، أو البغض للدين، أو محبة الكفر وإنما سببه أن له في ذلك حظًا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين‏.‏

فلا يطلع عليها إلا الله، ولا يتصور فيها الإكراه لأنه لا يمكن لأحد أن يكره شخصًا فيقول‏:‏ لا بد أن تعتقد كذا وكذا ؛ لأنه أمر باطن لا يعلم به، وإنما الإكراه على ما ظهر فقط بالقول والفعل‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فكان كفرهم سببه أنهم استحبوا الدنيا على الآخرة ويعني بالدنيا كل ما يتعلق بها من جاه، أو مال، أو رئاسة أو غير ذلك ممن آثر الدنيا بما فيها على الآخرة وكفره من أجل إيثار الدنيا فإنه يكون كافرًا وإن لم يكن مستحبًا للكفر ولكنه مستحب لحياة الدنيا فإنه يكفر، وذلك أن بعض الناس يكفر لأنه يحب الكفر ويعجبه، وبعض الناس يكفر لمال، أو جاه، أو رئاسة، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ‏‏.‏

وبعض الناس يكفر لينال بذلك شيئًا من السلطان وما أشبه ذلك فالأغراض كثيرة‏.‏

نسأل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ختم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى كتابه هذا برد العلم إلى الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبهذا انتهى كتاب كشف الشبهات فنسأل الله تعالى أن يثيب مؤلفه أحسن ثواب وأن يجعل لنا نصيبًا من أجره وثوابه وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين وصلي وسلم على نبينا محمد





 
 توقيع : مفرح التليدي



رد مع اقتباس