مدونة جنوبي (رحلة في عالم الحياة)

أشرت فيما مضى إلى أن كبار الصحابة  في عهد أبى بكر، و عمر – رضى الله عنهما – كانوا يقيمون في المدينة، ولم يخرجوا منها إلى الأمصار المفتوحة، بل إن عمر  قد منعهم من الخروج منها إلا لضرورة، وترتب على ذلك تيسر الاجتماع، وقلة الخلاف.
وفي عهد عثمان – رضى الله عنه – تغير الحال. فقد سمح عثمان لهم بالخروج من المدينة، واستيطان الأمصار، فنزحوا إليها وأقاموا بها معلمين، ومرابطين في ثغور البلاد الإسلامية، وأقبل أهل كل بلد يستفتون من نزل به من العلماء، ويأخذون عنه العلم، وكان هؤلاء العلماء مختلفين في مدى معرفتهم بالسنة، وأخذهم بالرأي، كما كانت البلاد التي نزحوا إليها مختلفة في كثير من العادات والظروف السياسية والاقتصادية، وطرق المعيشة، لذلك وجدنا الخلاف في الأحكام الفقهية التي توصل إليها هؤلاء الفقهاء يكثير عن ذي قبل، وقل الإجماع والاتفاق فيما بينهم، ولم يكن اتصال هؤلاء الفقهاء بعضهم ببعض ميسوراً ؛ لبعد المسافات وصعوبة المواصلات
وقد تمسك تلاميذ كل فقيه بآراء وفتاوى شيخه في المصر الذي يعيش فيه، فأهل الشام تمسكوا بفتاوى معاذ بن جبل، وأهل الكوفة تمسكوا بفتاوى عبد الله بن مسعود، وأهل مكة تمسكوا بفتاوى عبد الله بن عباس، وهكذا.
ومن الطبيعي أن تزدهر هذه الحركات العلمية في المدن خاصة، لأنها أكثر وأوفر عمرانا، وتنتج لنا مراكز علمية عظيمة الأثر في علوم الدين، وخاصة الفقه.

لقد كان كبار الصحابة يخشون كثرة التحديث عن رسول الله ، وذلك مخافة الوقوع في الكذب على رسول الله، ومخافة شغل الناس عن القرآن، ثم اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وتفرق الصحابة في الأمصار، ودخل خلق كثير في دين الله، وتجددت للناس حاجات اضطروا للبحث عن أحكامها، وأقبل أهل كل بلد على من عندهم من صحابة الرسول  يسألونهم ويستفتونهم، ويتعلمون منهم ويستخرجون الكنوز المكنونة في صدورهم من سنة رسول الله ، فأخرج كلٌ ما عنده، وانتشر الحديث وشاعت روايته، كان ذلك في أواخر عصر الصحابة، وأوائل عصر التابعين.

ثم إن التدوين في هذا العصر (عصر التابعين) لم يكن قد بلغ ما بلغه في العصور التالية، كما إنه لم يكن يوجد من الصحابة من يحصي سنة رسول الله كلها، وإنما كان عند كل واحد بعضاً من السنة، فإذا أخذ في الاعتبار أن عصر الخلفاء ما إن أوشك على الانتهاء إلا وظهرت الفرق في الحياة الإسلامية، فقد ظهر الخوارج والشيعة، وكانت كل طائفة تحاول الكذب والوضع في الحديث بما يخدم مصالحها، ويحقق غاياتها وكان من أكثر هذه الطوائف كذباً الشيعة

لقد بدأ تدوين السنة في زمن النبوة فقد روى أبو داود والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (قلت يا رسول الله إني أسمع منك الشيء فأكتبه، قال: نعم، قلت: في الغضب والرضا؟ قال: نعم فإني لا أقول فيهما إلا حقا)، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله ً أكثر حديثا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب) وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: (كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله  فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك للنبي  فقال: (استعن بيمينك، وأومأ بيده إلى الخط) كما روى البخاري ومسلم أن رجلا يقال له أبا شاه اليمني التمس من رسول الله أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام الفتح، فقال : (اكتبوا لأبي شاه) وقد ثبت أن علي بن أبي طالب  كان عنده صحيفة فيها ما أثر عن رسول الله  في بعض المسائل الفقهية منها (العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر)، كما ثبت أن رسول الله  كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم وغيره.

وقد كتب الصحابة الحديث بعد وفاة رسول الله  وكذلك فعل التابعون، حتى لقد همّ الفاروق  أن يجمع الأحاديث ويكتبها، واستشار الصحابة في ذلك فأشاروا عليه بكتابتها، غير انه استخار، ولم يرد الله له ذلك.
وفي عهد عمر بن عبد العزيز  رأى أن يجمع السنة، فكتب إلى العلماء المبرزين في الأمصار يأمرهم بذلك، فقد روى مالك في الموطأ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: (أن انظر ما كان من حديث رسول الله أو سنته أو حديث عمر أو نحو هذا فاكتبه، فإني خفت دُرُوس العلم، وذهاب العلماء) كما كتب أيضا إلى الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، المدني، وقد كانت نهضة التدوين التي قامت على يد عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى من الهجرة.

ثم أخذت حركة تدوين السنة في الازدهار وتجرد لهذا العمل الجليل رجال عرفوا بالأمانة والصدق، والتحري والتثبت، أخذوا أنفسهم بمجافاة المضاجع، ولازموا المحابر والدفاتر، وحرصوا على لقاء الأشياخ، وسهروا في سبيل ذلك الليالي الطوال، وقطعوا الفيافي والقفار، وطوفوا في البلدان والأقاليم على ما كانوا عليه من قلة المؤنة، وعسر السفر.

عوامل ظهورالحديث المضوع
(1)
الاعتماد على الذاكرة وعدم ازدهار حركة التدوين
(2)
صعوبة حصر أقوال وأفعال الرسول e مدة حياته
(3)
شيوع رواية الحديث
(4)
وجود أعداء الإسلام
العداوة الدينية
(5)
التعصب المذهبي

(6)
المبالغة في الترغيب والترهيب
(7)
تحقيق بعض الأغراض الدنيوية
(8)
تغالي بعض الناس في أنهم لا يقبلون إلا الكتاب والسنة
(9)
الإغراب في الإسناد

أهم علامات الموضوع في السند:
أن يكون لفظ الحديث ركيكا، والأسلوب ضعيفا، والعلماء المتمرسون في علم الحديث تتكون لديهم ملكة يعرفون بها ما يكون من كلام الحبيب  وما لا يكون من كلامه.
فساد المعنى: كأن يكون الحديث مخالفا لبدهيات المعقول وغير ممكن تأويله، أو يخالف قواعد الأخلاق، أو يشتمل على ترهات وسخافات لا تليق بالعقلاء، أو يخالف صريح القرآن الكريم، أو يناقض حقائق التاريخ المعروفة في زمن النبوة.
أن يوافق الحديث المذهب الفاسد الذي يعتنقه راويه، كأن يكون الراوي من الخوارج ويروي حديثا يؤيد مذهبهم.
اشتمال الحديث على الإفراط في الثواب العظيم على الفعل اليسير، أو الوعيد الشديد على الذنب الصغير.

ومن هنا عرف الناس الصحيح من غير الصحيح، كما تعرفوا أحوال الرجال، وحفظ الله شريعته، قيل لعبد الله بن المبارك: (هذه الأحاديث الموضوعة ! فقال: تعيش لها الجهابذة، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومِنْ حِفْظِ الله تعالى، هَتْك من كذب على رسوله، فإن سنته هي المبينة للكتاب).

وقد تنبه علماء الإسلام إلى هذه الظاهرة منذ بدايتها، وأدركوا مدى خطورتها، فقيض الله تعالى لهذا الدين من يدافع عنه، ويذود عن حماه، فقد روعت هذه الظاهرة جموع المسلمين.
فنهض بعض العلماء غيرة على دينهم، فبينوا الأحاديث الصحيحة من غيرها، وهناك مؤلفات عديدة في بيان الوضاعين والأحاديث الموضوعة منها على سبيل المثال (الموضوعات، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، و اللآلئ المصنوعة للسيوطي، والموضوعات الكبرى والصغرى، لعلي القاري الهروي، وتنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة للكتاني، ورفع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب للخطيب البغدادي، وتحذير الخواص من أكاذيب القصاص، للسيوطي)
كما وضعوا قواعد النقد والضبط للحديث، وأسسوا علميْ " الجرح والتعديل "، فتتبعوا الرجال ودرسوا أحوالهم، وفضحوا الوضاعين منهم، وحذروا من كل واحد بعينه، ولم يقبلوا شيئا مما حدثوا به، وبينوا أعيان الأحاديث التي وضعوها.

غير مسجل
اكرر شكري لك على ترارالزيارة

ـ بِالْعَقْلِ صَلاحُ الْبَرِيَّةِ .
ـ بِقَدْرِ الْهِمَمِ تَكُونُ الْهُمُومُ .
ـ بِقَدْرِ الْهَيْبَةِ يَتَضاعَفُ الْحُزْنُ وَالْغُمُومُ .
ـ بِالأَعْمالِ يَتَفاضَلُ الْعُمّالُ .
ـ بِالْجُودِ تَسُودُ الرِّجالُ .

ـ بِرُكُوبِ الْأَهْوالِ تُكْسَبُ الْأَمْوالُ .
ـ بِالصِّدْقِ تَتَزَيَّنُ الْأَقْوالُ .
ـ بِالسَّخاءِ تُزانُ الْأَفْعالُ .
ـ بِالتَّكَبُّرِ يَكُونُ الْمَقْتُ .
ـ بِالتَّواني يَكُونُ الْفَوْتُ .

ـ بِالْفَناءِ تُخْتَـمُ الدُّنْيـا .
ـ بِالْحِرْصِ يَكُونُ الْعَناءُ .
ـ بِالْيأْسِ يَكُونُ الْغَناءُ .
ـ بِالْمَعْصِيَةِ يَكُونُ الشَّقاءُ .
ـ بِعَوارِضِ الافاتِ تَتَكَدَّرُ النِّعَمُ .

ـ بِالإِيثارِ يُسْتَحَقُّ اسْمُ الْكَرَمِ .
ـ بِالصَّحَّةِ تُسْتَكْمَلُ اللَّذَّةُ .
ـ بِالزُّهْدِ تُثْمِرُ الْحِكْمَةُ .
ـ بِالظُّلْمِ تَـزُولُ النِّعَـمُ .
ـ بِالْبَغْـيِ تَحُـلُّ النِّقَـمُ .


اكرر شكري لك على تكرارالزيارة