رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
أثر الايمان في تحقيق الأمن ورغد العيش (5)
كلمة الشيخ عبد الله بن راشد في توضيح أثر التوحيد في تحقيق الأمن
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسلميًا كثيرًا.
أما بعد، أيها الإخوة في الله، نسأل الله جل وعلا بمنه وكرمه أن يغفر لنا ولوالدينا ولمن له حق علينا، ونسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، ونسأل الله جل وعلا أن يختم لنا ولكم بخير، وأن يجعل عاقبة أمرنا إلى خير، إنه على كل شيء قدير، لقد أوفى صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد الحمدان في هذا الموضوع حقه، إن الكلام عن هذا الموضوع يطول جِدًّا حيث إنه موضوع يحتاج له كل مسلم، بل يحتاج له كل مخلوق، حتى غير الآدميين كالحيوانات وغيرها تحتاج إلى الأمن وتنشده، ولا أحد أَبَدًا يستغني عن الأمن؛ لأن الأمن إذا اختل ضاع كل شيء، ضاعت الحياة، وضاع ما فيها من أمور، وأعظم ما يضيع في الحياة عبادة الله جل وعلا التي من أجلها خلق الخلق، ومن أجلها أنزل الله جل وعلا الكتب وأرسل الرسل، فإذا دب الخوف واختل الأمن ضاع على الناس ما يحتاجون من أمور دينهم ودنياهم.
|
|
|
05-20-2013
|
#2477
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
أثر الايمان في تحقيق الأمن ورغد العيش (6)
دعائم تحقق الأمن
والله جل وعلا بَيَّن لعباده أنه لا أمن ولا حياة سعيدة لهم إلا بطاعته، وأن الله تبارك وتعالى يعطي عباده المؤمنين الأمن والأمان والاستقرار بطاعته جل وعلا، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [سورة النور: الآية 55].
هذا هو الشرط الذي شرط الله جل وعلا على عباده في هذه الآية العظيمة، إن الله جل وعلا وعد عباده بأن يمكن لهم في الأرض وأن يبدلهم من الخوف أمنا وأن يجعل حياتهم حياة آمنة مطمأنة شريطة أن يعبدوه وحده لا شريك له، ويوحدوه في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، فإذا عبد الناس ربهم وأخلصوا التوحيد لله جل وعلا، انطبق عليهم قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [سورة الأنعام: الآية 82] والمقصود بالظلم في هذه الآية الشرك؛ ويتضح ذلك من آية آخرى قال الله تعالى حكاية على لسان لقمان: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة لقمان: الآية 13].
فإذا ظلم الناس أنفسهم وأشركوا بالله جل وعلا ودعوا معه غيره، ولَجَئوا إلى غيره سبحانه، واستعانوا بغيره جل وعلا ورغبوا وأنابوا إلى غيره، جعل الله حياتهم خوفًا وجَعَل الله جل وعلا أمنهم رُعْبا، وجعل الله جل وعلا حياتهم كحياة الأنعام بل أضل سبيلا، فقد وصف الله تبارك وتعالى الكفار الذين لا يوحدونه تبارك وتعالى بأنهم كالأنعام يتمتعون ويأكلون كما تأكل، والنار مثوى لهم، ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حق الذين يمكنهم في الأرض أنهم يوحدونه ويفردونه بالعبادة، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [سورة الحج: الآية 41]
فأول أمر يكون به الأمن ويكون به الاستقرار التوحيد وإخلاص العبادة لله، ثم بعد ذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، كما ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية العظيمة: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سورة الحج: الآية 41] فيقيم الناس هذه الفريضة العظيمة والتي أوصى بها محمد صلى الله عليه وسلم، أوصى حتى نفس من أنفاسه، فقال: «الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». (8)
هذه الصلاة إذا ضيعها الناس صاروا في خوف ورعب عياذًا بالله، وإذا أقاموا الصلاة كما أمر بها الله جل وعلا، أقاموا وضوءها وشروطها وأركانها وواجباتها وأقاموا لهذه الصلاة ما لا تقوم إلا به وأدوها جماعة في بيوت الله جل وعلا، وتحقق بها ما قاله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [سورة العنكبوت: الآية 45] صار لهم الأمن، وتحقق لهم بإذن الله عدم الخوف، وزالت عنهم الفرقة، فإقامة الصلاة من الشروط الواجبة والمترتب والمتعلق بها الإيمان الذي هو شرط في استتباب الأمن والبعد عن الخوف، فتوحيد الله والصلاة والزكاة سبب لتحقق الأمن، ولا شك أن هذا الركن العظيم الذي هو الزكاة من أركان الإسلام، فإذا أدى الناس زكاة أموالهم فإنهم يسلمون من عذاب الله، ويسلم المجتمع من أن يوجد فيه فقير أو مسكين أو محتاج، فوجود الفقر في المجتمعات المسلمة قد يكون سَبَبًا في الفوضى أو سببا في اختلال الأمن؛ لأن قوام حياة الإنسان بالمال، فإذا أدى الناس زكاة أموالهم تحقق لهم الاستقرار ونجوا من عذاب الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [سورة التوبة: الآية 34 - 35].
فإيتاء الزكاة من أمور العقيدة والتوحيد التي - بإذن الله - تكون سببًا في استقرار الأمن وإبعاد الخوف والرعب عن الناس.
كذلك من الأمور المحققة للأمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مرتبط بتوحيد الله؛ والله تبارك وتعالى بين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين كما في قوله جل ذكره: ﴿الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [سورة التوبة: الآية 71] هذا هو شأن المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهما من الأمور العظيمة الهامة التي تكون سببًا في استتباب الأمن، فإذا أمر الناس بالمعروف ونَهَوا عن المنكر قَلَّت المنكرات، وانتشر - بإذن الله - الخير بين الناس، وكان الناس في خير، وباعدوا بينهم وبين الفواحش وباعدوا بينهم وبين الظلم، أما إذا ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الله جل وعلا يوشك أن يعمهم بعقاب من عنده، كما بَيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المُنْكر، أو لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يَبْعَثَ عليكم عذابًا منه، ثم تَدْعُونَه فلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ»(9). نسأل الله العافية.
وفي الحديث الآخر: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ». (10)
وقال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ َ﴾ [سورة المائدة: الآية 78 - 79].
فإذا نَهَى الناسُ عن المنكر وأَمَرُوا بالمعروف وأقاموا حقَّ الله جل وعلا وأَدَّوْا فرائض اللهِ والواجباتِ التي فُرِضت عليهم، وكانتْ أيديهِم متشابكةً لإقامة الخير والبعد عن الشر والتحذير منه، استتب الأمن للناس؛ لأنه لا أمن إلا بطاعة الله، ولا أمن إلا بإنكار المنكر والنهي عنه كالنهي عن أكل الحرام والنهي عن شرب الحرام والنهي عن اقتراف الحرام من الفواحش صغيرها وكبيرها، ولا أمن إلا بالأمر بالمعروف والعمل به وإقامته كتأدية صلاة وصيام وصدقة وحج وبر، فهذه الأمور يمكن الله لعباده في الأرض بها ويبدلهم من بعد خوفهم أمنًا.
فالواجب علينا عباد الله أن نوحد الله جل وعلا وألا نعبد غيره، وألا نلجأ إلى غيره، فإن المسلم الذي يعبد الله يتحرر من عبادة الأصنام والأوثان والأشجار والأحجار والجن والملائكة والرسل وغيرهم له، يتحرر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد تبارك وتعالى، ويصير عبدًا للَّهِ وحده لا شريك، وهذا هو السبب العظيم في استتباب الأمن، فعلينا أيها الناس بتوحيد الله وإقامة أوامره جل وعلا، وعلينا بمراعاة مَن تحت أيدينا من نساء وبنين وبنات؛ فإن الله سائلنا عنهم يوم القيامة بم أمرناهم وبم نهيناهم، هذا هو الواجب علينا جميعًا أيها الإخوة حتى يستتب لنا الأمن في قلوبنا وفي بلادنا وفي مجتمعاتنا، فإن مَن آمن بالله تعالى فإن الله جل وعلا يجعل له الأمن في قلبه، وفي وطنه، وفي مجتمعه، كما أخبر بذلك ربنا تبارك وتعالى في كتابه العظيم.
وقد يبتلي الله عباده بالخوف كما قال الله جل وعلا: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ [سورة البقرة: الآية 155]
وإنما يكون ذلك عندما يبعد الناس عن الله ويبعدون عن طاعته تبارك وتعالى، فيجب علينا أن نلزم عبادة الله وأن تكون عبادتنا له على بصيرة وعلم، وأن تكون عبادةً حَقَّةً سالمة من الشرك، وسالمةً من النفاق، وسالمةً من كل ما يُفْسِدها أو يَخْدَشها أو يَجْعَلها تنصرف لغير الله تبارك وتعالى، وعلينا بالمحافظة على أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم في إقامة دينه وإقامة شرعه واستتباب أمره تبارك وتعالى بإقامة الحدود بين الناس، فإذا حصل ذلك وأدى الناس ما أمر الله به استتب لهم الأمن بأمره جلا وعلا، وإذا خالفوا ذلك فسينتشر بينهم الخوف والفزع، والسرقة والظلم والقتل والهرج والمرج، وما لا تحمد عقباه عياذًا بالله، نسأل الله تعالى أن يؤمننا في دورنا، وأن يؤمننا في أوطاننا، وأن يؤمننا في أنفسنا، وأن يجعلنا وإياكم من الآمنين في الدنيا والآخرة من الفزع الأكبر، وصلى الله على نبينا محمد.
|
|
|
05-20-2013
|
#2478
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
أثر الايمان في تحقيق الأمن ورغد العيش (7)
كلمة الشيخ عبد العزيز بن محمد الحمدان
الثمرات التي تتحقق في وجود الأمن:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، حين نلتفت إلى الماضي قليلا وإلى ما كانت عليه هذه البلاد المباركة قبل توحيدها على يد الملك عبد العزيز رحمه الله نتذكر ما نحن فيه من نعمة حديثة، لقد كانت هذه البلاد كما يحدثنا التاريخ في فترة من الزمن مَسْرَحًا للفتن والحروب والنهب والسلب، حتى مَنَّ الله على أهلها بظهور دعوة التوحيد على يد الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وبمؤازرةٍ كريمةٍ من الإمام محمد بن سعود رحمه الله، وحين التقى العلماء والحكام على نصرة هذا الدين والقضاء على مظاهر الشرك والفساد، فقام سلطان الدين ظاهرًا قَوِيًّا فأَمِنَ الناس على أموالهم وأهليهم، وعبدوا ربهم على علم وبصيرة، ولكن الشانئين والحاسدين لم تطب نفوسهم بهذا، وأجلب الشيطان بخيله ورجله على جنده وأتباعه، فعادت الجزيرة بعد حين من الدهر مرة أخرى مَسْرَحًا للسلب والنهب، فمرة يعلو سلطان الحق، ومرة ترتفع أعلام الجاهلية، فتسفك الدماء وتستحل المحارم، ولا يأمن المرء على نفسه ومَن حوله.
وفي ظل هذه الأجواء القلقة ينام المرء حينَ ينام وشَبَحُ اللصوص يَمُرُّ على خياله، ويستيقظ حين يستيقظ فَرِحًا مسرورًا إذ لم يكن شيء من عوادي الدهر وفاجعات الأحداث أصابه، يكسب كل يوم يرى فيه نفسه آمنا في سربه ولا يُخْدَشُ فيه حياؤه أو تُسْلَبُ أموالُه أو تُنْهَى حياتُه، فهل في هذه الأجواء يطمئن المسلم في عبادته لربه ؟ وهل في ظل هذه الظروف تستقيم الحياة وينعم الأحياء، وأنى للدعوة والخير أن ينتشرا وحِلَق العلم معطلة، والعلماء كغيرهم لا يأمنون على أنفسهم، فضلاً أن يوفروا الأمن لِمَن يحمل العلم عنهم، إنها صور ينبغي أن نتذكرها وإن لم يعش بعضنا أحداثها، وإن كان يفصل بيننا وبينها عقود من الزمن.
لقد كانت هذه البلاد قبل توحيدها مَسْرَحًا للحروب والفتن، وكانت تعيش في فرقة وتناحر وتخلف وفزع ورعب، حتى هيأ الله لها ابْنًا بَارًّا من أبنائها، إنه الملك عبد العزيز - رحمه الله - فوَحَّد كلمتها، وأرسى دعائمها، ولَمَّ شَمْلَها، وجَمَع شتاتها، وألف بين قلوب أهلها، ووطد دعائم الأمن فيها، وحَكَّم شَرْعَ الله، وقضى على الخلافات القبلية فيها، فتَمَّ ولله الحمد والشكر توحيد هذه المملكة المترامية الأطراف في وطن واحد وشعب واحد وهدف واحد، شعاره لا إله إلا الله محمد رسول الله، ودينه الإسلام، ورائده التآخي والتلاحم والتراحم، وهدفه إشاعة الأمن والرخاء والخير والسلام، وسار على نهجه من بعده - رحمه الله - أولاده الميامين.
أيها الإخوة إن ارتباطنا بما نحن فيه الآن من نعمة الأمن والأمان وغيرها من النعم لا ينبغي أن ينسينا الماضي، بل إن من التحدث بنعمة الله أن نقارن بين الماضي والحاضر، ونتذكر نعمة الله علينا في الحاضر، إننا ولله الحمد نتقلب ليل نهار في نعم عظيمة، أهمها نعمة الإسلام والإيمان، ونعمة الأمن في الأوطان، والرخاء والاستقرار، ونعمة الصحة في الأبدان، وها هي بلادنا المباركة بلاد الحرمين الشريفين - حرسها الله من عبث العابثين وحقد الحاقدين - تعتبر بلا ريب ولا شك مأوى الأفئدة، وملاذ الخائفين، وفيها تتوفر فرص العيش للوافدين، فلك الحمد ربنا، وجزى الله كل من أسهم في نشر الخير وتوطيد دعائم الأمن في بلادنا الغالية خير الجزاء.
أيها الإخوة المسلمون، إن الأمن في الأوطان نعمة لا يقدرها حَقَّ قدرها إلا مَن عَرَف أو عاش خلافها، وقد يتصور المرء خطأ وهو يعيش حالة الأمن والاستقرار أن الناس كلهم كذلك، وليس الأمر كذلك، يقول جل وعلا: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [سورة العنكبوت: الآية 67] وفي حال غفلة الإنسان قد ينسى أو يجهل ثمرات الأمن.
|
|
|
05-20-2013
|
#2479
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
أثر الايمان في تحقيق الأمن ورغد العيش (8)
ثمرات الأمن:
للأمن ثمرات كثيرة، منها تحقيق العبودية لله، والقيام بشرائع الدين كما أمر الله وكما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يستطيع الخائف أن يعبد ربه كما أراد، والحق تبارك وتعالى يربط بين العبودية له وبين الأمن وتوفر المطعم، ويقول جل وعلا: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ [سورة قريش: الآية 3 - 4].
إن تَوَفَّر الأمن ورغد العيش من المقومات الأساسية للعبادة، وما من عبادة إلا وتحتاج إلى هذا وذاك، وإن فقدان الأمن وشظف العيش بلوى يمتحن الله بها عباده، ولكن الصبر طريق الفرج قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [سورة البقرة: الآية 155 – 157].
ومن ثمرات الأمن في الأوطان رخاء العيش واستقرار الحياة، فإذا كان الإيمان سببًا للأمن كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [سورة الأنعام: الآية 82] فبركات السماء والأرض تفتح لأهل الإيمان كما أخبر جل وعلا في كتابه حيث قال: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [سورة الأعراف: الآية 96].
إن الأمن ضرورة لاستقرار الحياة ورغد الأحياء، فبالأمن تُؤَمَّن السُّبل فيأمن التجار على أنفسهم وأموالهم فتجلب الخيرات، وبالأمن يُقْمَع الفساد ويؤخذ على أيدي المفسدين، فتكسد تجارة اللصوص، ويذل الخبثاء الفجار.
ومن ثمرات الأمن انتشار العلم وكثرة العلماء، فالعلم أساس الحضارة وميزان لتقدم الدول، وهو مع الإيمان مجال سِبَاق الأمم، أما العلماء فهم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بهم يفتح الله قُلوبًا غُلْفا وآذانًا صُمًّا وأَعْيُنًا عُمْيًا، وأنى للعلم أن ينتشر حين يخاف العلماء، وأنى لأمة أن تسابق الزمن وأبناؤها خائفون على أنفسهم مشغولون بكسب العيش لهم ولمن حولهم، وحتى لو وُجِد علماء جرآء ينشرون العلم سِرًّا في ظروف الخوف والقلق، فليس ذلك سبيل انتشار العلم، وإنما يهلك العلم إذا كان سِرًّا، وإنما سبيل نشره ونمو مؤسساته حين يتوفر الأمن وتستقر الحياة ويأمن الأحياء.
إن تحقيق الأمن مكسب لنا جميعًا، وتوفير الأمن مسئوليتنا جميعًا، وعلى كل واحد منا كِفْل في تحقيق الأمن، وكلٌّ منا مُطالَبٌ أن يكون عَيْنًا ساهرةً للكشفِ عن أوكار المُفْسدِين وتوفير الأمن والأمان له ولإخوانه المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: «مَن رأى منكم منكرًا فَلْيُغَيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».(11)
وحين نَغْفُل عن هذا الواجب فسنتعرض جميعًا للشقوة ونكد العيش في الدنيا، والمصيبة أعظم إذا امتدت شقوة الدنيا بضنك الآخرة.
|
|
|
05-20-2013
|
#2480
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
أثر الايمان في تحقيق الأمن ورغد العيش (9)
أسباب الأمن ومقوماته:
إذا علمنا شيئا من ثمرات الأمن في الأوطان، فالسؤال المهم:
ما هي أسباب الأمن ومقوماته الأساسية ؟
إن أهم الأسباب الأمن الإيمانُ بالله ومراقبتُه والشعورُ بأنه مُطَّلِع علينا في السر والعلن، فذلك الشعور يميت الجريمة قبل خروجها، ويحبط من عزيمة المجرم حال استحواز الشيطان عليه، وما أروع الطاقة حين تصرف في الخير وعمل الصالحات، حينها يتحول صاحبها إلى إنسان خير، يبني ولا يهدم، ويؤمن ولا يخاف، وهذه النوعية من البشر تستحق الاستخلاف في الأرض، ولها وعد الله بالأمن ورغد العيش، كما قال سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [سورة النور: الآية 55].
ومع الإيمان وعمل الصالحات لا بد من تصحيح المعتقد من الشركيات والخرافات، فتلك ضمانة كبرى لتوفر الأمن، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [سورة الأنعام: الآية 82].
وقد فُسِّر الظلم في الآية بالشرك، ونهاية الآية السابقة تؤكد هذا المعنى بوضوح وهي قوله تعالى: ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [سورة النور: الآية 55].
فعمل الصالحات ومن أهمها الصلاة والزكاة مُقَوِّم هامٌّ من مُقوِّمات الأمن، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي توثيق لصلة العبد بربه، والزكاة فيها مواساة للفقراء وإغناء للمحتاجين، وفيها صلة للخلق ببعضهم، وسبيل لمحبتهم وتعاطفهم فيما بينهم، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيه نشر للفضيلة وتحذير عن الرذيلة، وبه يؤخذ على أيدي السفهاء، ويُمْنَع المجرمون من مزاولة الجريمة، وكل ذلك يتضمنه قول جل وعلا: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [سورة الحج: الآية 41].
إن تحكيم شريعة الله في أرضه وإقامة الحدود التي شرعها سبب رئيس، ومقوم من مقومات الأمن، وإذا أفلتت النظم البشرية والقوانين المُسْتَوْرَدَة بعيدًا عن شرع الله في تأمين الأمن للناس، فإن في تحكيم شرع الله ضمانةً كبرى للأمن، ويصدق ذلك واقع الدول الكبرى التي بلغت من التقنية في متابعة الجريمة مَبْلَغًا كبيرًا، ومع ذلك تنمو فيها معدلات الجريمة، ولا تنخفض، ويتكاثر المجرمون ولا يقلون، وتنعم هذه البلاد الطاهرة بلاد الحرمين - بفضل الله ومنته ثم بتحكيم الشريعة وتطبيق الحدود - بأمن لا مثيل له في واقعنا المعاصر، حرسها الله وحفظها من كيد الحاقدين والحاسدين.
ومن الأسباب الداعية للأمن شكر النعم كما قال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [سورة إبراهيم: الآية 7].
وكفر النعم سبيل لفناء الدول وانتشار الجوع والخوف، وفي أمثلة القرآن عِبْرةٌ لِمَن يعتبر، قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [سورة النحل: الآية 112].
ومن مقومات الأمن اجتماع الكلمة تحت مظلة التوحيد، فالاجتماع نعمة، والخلاف فرقة وشتات، وما فتئ القرآن يحذر من التنازع والخلاف، ويذكر بمصير المتنازعين، ويكفي أن يتذكر المسلم قول الله جل وعلا: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [سورة الأنفال: الآية 46].
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل أسباب الخلاف والتقاطع، فقال عليه الصلاة والسلام:: «لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»(12)
ولا بد في سبيل توفير الأمن أن ندرك الأمن بمفهومه الشامل، فالحفاظ على الأمن الفكري والعقدي وذلك بحماية العقول من الأفكار الخبيثة وحماية العقيدة من التصورات والمعتقدات الباطلة، لا يقل أَهَميَّةً عن الأمن على الأنفس والممتلكات المادية، وعلينا مسئولية جسيمة تجاه أبنائنا بأن نربيهم التربية الحسنة، ونرعاهم الرعاية الحقة، لقول الله جل وعلا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [سورة التحريم: الآية 6]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».(13)
فالتربية والتعليم أصلان عظيمان في تنشئة الجيل، قال تعالى: ﴿وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية 79].
إننا نريد جِيلاً رَبَّانِيًّا مؤمنًا بالله، يعبد الله في المسجد والجامعة، والعيادة والثكنة العسكرية، والمعمل والمصنع، لا نريد أن نربي في بلادنا مُلْحِدًا زِنْدِيقًا يحارب الله ويستهزئ بالدين، ويغمز الصالحين، ويصد عن منهج الله، ولا نريد في المقابل أن نربي غَالِيًا مُتَنَطِّعًا مُنفِّرًا مُكَفِّرًا يحمل السلاح في بلد الإسلام، ويُفَجِّر نفسه، ويقتل الأبرياء، ويهدد أمن المؤمنين، ويزعزع الثقة فيما بينهم، ويورث الفتنة، ويزرع الشر في المجتمع، إنما يُخْشَى على أولادنا من مسلكين خطيرين: مسلك الانحراف والفجور والإعراض عن طاعة الله وتعطيل أوامره وارتكاب نواهيه، ومسلك الغلو والانحراف والخروج على الولاة وجماعة المسلمين، ونبذ جماعتهم، وشق صفهم، وتفريق كلمتهم.
فعلينا أن نحافظ على أولادنا من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والانجراف في الفكر التكفيري المنحرف، ونقول للغلاة أهل الغلظة والجفاء، متبعي الأخطاء المستهزئين بالعلماء، المكفرين للحكام، الخارجين على إجماع الأمة، نقول لكل مشترك في هذه الجرائم البشعة سواء بجلب هذه المتفجرات أو الإعانة على نقلها أو التواطؤ في تهريبها أو السكوت على أصحابها: توبوا إلى الله توبة نصوحًا، واعترفوا بأخطائكم، وعودوا إلى رشدكم، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في دماء المسلمين، اتقوا الله في الأبرياء، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، وفي ذممكم دماء لأرواح بريئة، فماذا أنتم قائلون ؟ وما هي حجتكم إذا وقفتم حافية أقدامكم عارقة أجسامكم شاخصة أبصاركم بين يدي الله أحْكَمِ الحاكمين، وما هو موقفكم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تفجرون أنفسكم: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهْوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»(14)
إن اهتزاز الأمن لا يخدم إلا اللصوص وقطاع الطريق وتجار المُخَدِّرات، وتجار الفساد والبغاء، وأصحاب الأهواء، وإذا قوي الأمن انقطعت الشرور، وانكف أهلها، قولوا لي بربكم إذا فقدت نعمة الأمن كيف يهنأ الناس بعيش ؟! وكيف يذهبون إلى المساجد ؟! بل كيف يؤدون فريضة الحج التي نادى بها أبونا إبراهيم عليه السلام ؟! بل كيف ينتشر العدل وتهنأ الحياة وتتوسع رقعة الإسلام ورسالة الدعوة إلى الله إذا اختل الأمن ؟! بل كيف يأمن الناس على أعراضهم وأموالهم التي جعل الله من دافع عنها وقتل دونها شهيدا ؟! كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»(15) أو كما قال صلى الله عليه وسلم والشواهد من حولنا كثيرة، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
يجب علينا أن نكون صَفًّا واحدًا مُتلاحِمًا كالبنيان المرصوص مع ولاة أمرنا وعلمائنا في استتباب الأمن والقضاء على هذه الظواهر المفزعة والأحداث المفجعة واستئصال شأفتها، يجب أن نكون جميعًا يدًا واحدة عَيْنًا ساهرةً مع رجال الأمن للحفاظ على ديننا وبلادنا وأمننا، ومنهجُنا منهجُ الوسطية والاعتدال، ونصيحتي للشباب وفلذات الأكباد ألا ينخدعوا بالأفكار الهدامة، والمناهج الضالة، وألا ينساقوا وراء حرب الشبهات التي يروجها مَن قَلَّ فَهْمُه، وضل سَعْيُه.
نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يديم علينا نِعَمه، وأن يعز هذه البلاد، وبلاد المسلمين، وولاة أمرها، وأن يلهمهم السداد في القول والعمل، وأن يكبت عدوهم، وأن يوفقهم لِمَا فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يهتك ستر المعتدين على حرمات الآمنين، وأن يكف البأس عنا وعن جميع المسلمين، إنه خير مسئول، وأقرب مجيب، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.
|
|
|
05-20-2013
|
#2481
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
أثر الايمان في تحقيق الأمن ورغد العيش (10)
كلمة الشيخ عبد الله بن راشد الغانم
الوسائل التي تحقق الأمن:
بسم الله الرحمن الرحيم، الوسائل التي تحقق الأمن كثيرة جِدًّا ولا يمكن أن نحصرها بمثل هذا المقام، ولقد ذكر منها فضيلة الشيخ عبد العزيز الحمدان الشيء الكثير، ولست بآتٍ بجديد، ولكن نذكر بعض وسائل تحقيق الأمن في المجتمعات.
الوسيلة الأولى:
طاعة الله جل وعلا.
الوسيلة الثانية:
طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الوسيلة الثالثة:
طاعة ولاة الأمور الذين أمر الله جل وعلا بطاعتهم، وجعل طاعتهم من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمروا بطاعة الله، كما في قول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 59].
فاحترام ولاة الأمور والسمع والطاعة لهم من أعظم الوسائل التي يستتب بها الأمن بإذن الله جل وعلا، فبعض الناس يقول: أنا مسلم أعبد الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس لي وَلِيُّ أمر أأتَمر بأمره وأنتهي عن نهيه، وليست في رقبتي بيعة لأحد، ولست أعترف بأي إنسان يأتمر على الناس، أو يكون له الأمر عليهم. فنقول له: إن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم قال:: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً (17)».(16)
وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه لما قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: «أُوصِيكُمْ بِتقْوى اللّهِ، والسّمْعِ والطّاعةِ وإِنْ كان عبْدًا حبشِيًّا؛ فإِنّهُ منْ يعِشْ مِنْكُمْ يرى بعْدِى اخْتِلافًا كثِيرًا، فعليْكُمْ بِسُنّتِى، وسُنّةِ الْخُلفاءِ الرّاشِدِين الْمهْدِيِّين، وعضُّوا عليْها بِالنّواجِذِ، وإِيّاكُمْ ومُحْدثاتِ الأُمُورِ، فإِنّ كُلّ مُحْدثةٍ بِدْعةٌ، وإِنّ كُلّ بِدْعةٍ ضلالةٌ».(18)
فهذا دليل على أن السمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية الله من أعظم وأهم الوسائل التي يستتب بها الأمن، ولا يجوز للمسلم أن يطعن في ولاة أمره، لا في المجالس، ولا في المنابر، ولا في الاجتماعات العامة، ولا أن يظهر عيوبهم ومثالبهم، ولا يصح القدح فيهم ولا إيغال الصدور عليهم؛ لأن بعض الناس يكون هذا شغله الشاغل في المجالس، إذا جلس في مجلس أصبح يسب في ولاة الأمر ويُظْهر معايبهم، ويظهر حقده عليهم، ويوغل صدور الناس عليهم، وذلك يسبب الفرقة، ويسبب خلع البيعة، ويسبب عدم السمع والطاعة لولي الأمر، فإذا لم يُسْمَع ويُطَع لولي الأمر فإن الناس بذلك تكون بينهم الفوضى، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر بذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومَن تبعهم، فإن الناس لا يصلحون بدون راعٍ، ولا يصلحون بدون ولي أمر، وإنه إذا افترق الناس واختلفوا على ولي أمرهم وأظهروا معايبه على المنابر وقدحوا فيه وطعنوا فيه ونشروا ما عنده من أمور، فإن ذلك يسبب الفوضى في المجتمعات، ومن ثَمَّ يكون ذلك سَبَبًا في خروج الناس على ولاة أمورهم، والطعن فيهم وعدم السمع والطاعة لهم.
وما حصل من وجود هذه الفرق الضالة وغيرها من الفئات والجماعات التي تدعي أنها جماعات إسلامية، أو أنها جماعات جهاد وغير ذلك إنما هو بسبب عدم السمع والطاعة لولاة الأمر وعلماء المسلمين المشهود لهم، مما جعلهم يستحلون دماء المسلمين ويستحلون أعراضهم وأموالهم، فهم يسمعون ويطيعون لأشخاص ليس لهم سمع ولا طاعة، وهذا - والعياذ بالله - من أعظم أسباب نشر الفرقة والفساد، وهذا كله بسبب الطعن في علماء المسلمين وولاة أمورهم، فالواجب علينا إذا كنا نريد الأمن الحقيقي أن نسمع ونطيع لمن ولاهم الله أمرنا، وأن نكون جماعةً واحدة، لا جماعات، وأن نكون فرقة واحدة، لا فِرَقًا، وحزبًا واحدًا، لا أحزابًا.
إن الله جل وعلا جعل حزبه هم الفائزون الغالبون الذين يضعون أيديهم في أيدي ولاة أمورهم وعلمائهم، وبعض الناس يطعن في العلماء ويقول: هؤلاء علماء السلطة أو علماء الحكام، أو علماء الأموال أو غير ذلك. والعلماء لا يُبَلِّغون إلا ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف لنا أن نعرف السنة، وكيف لنا أن نعرف الحلال والحرام، وكيف لنا أن نعرف ما أوجب الله علينا إلا عن طريق العلماء ؟! فَهُم مَن يفهمون القرآن كما فهمه الصحابة ومَن بعد الصحابة من التابعين لهم بإحسان. فالعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا دِرْهمًا.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن قوام هذا الدين كتاب يهدي، وسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.
فإذا خلا هذا الدين وخلت البلاد من الكتاب الذي يهدي، وهم العلماء، والسيف الذي ينصر، وهم الحكام، ضاع الأمن وانتشر الفساد، وانتشر الشر، وقامت قائمة أهل الفساد وأهل الشر والفتن، فلا يأمن الناس على أموالهم، ولا على أعراضهم، ولا على دمائهم، فيجب علينا احترام العلماء، واحترام ولاة الأمور، والقيام معهم، ووضع أيدينا في أيدي رجال الأمن، وأن نكون كلنا رجال أمن، وليس الأمن في المملكة العربية السعودية قاصرًا على السعوديين فقط، وليس وَقْفًا عليهم، بل إنه واجب على جميع أفراد المجتمع من جميع المسلمين الذين وَفَدوا لهذه البلاد لكي ينعموا بنعم الأمن فيها والاستقرار، فيجب علينا جميعًا أن نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض، وأن نضع أيدينا في أيدي ولاة الأمور والعلماء، وأن نكون في حماية أمن هذا البلد.
وعلينا أن نأسى إذا سمعنا بتفجير أو قتل أو إراقة دم، أو إذا علمنا بوجود المفاسد من بيوت دعارة أو غير ذلك، فالمسلم يهتم بأمر المسلمين ويحزن إذا أصاب الأمة من الشر الذي ذكرنا، فهذا من باب إنكار المنكر بالقلب، فعلى المسلم أن ينكر بقلبه مثل هذه الأشياء، ويحب على المسلم أن يحزن إذا اختل الأمن، ويجب علينا نحن أن نكون يَدًا واحدة في الإبلاغ عن كل مجرم يريد أن يهتك أمن المسلمين من أصحاب المخدرات، أو من أصحاب الدعارة أو من أصحاب الفساد، ممن يروجون الفساد بجميع أنواعه وأشكاله، سواء يروجون أفكارًا تكفيرية، أو يروجون أفكارًا لإفساد المجتمع من فواحش وغيرها من الأمور التي قد حرمها الله تبارك وتعالى وأمر بأن نكون يدا واحدة ضدها.
وينبغي علينا جميعًا أن نستحضر أهمية الأمن وخطر اختلاله، وأن يكون في قلب كل مسلم منا حرص على أن يستتب الأمن في بلده وبين أهله وفي جماعة المسلمين جميعًا، وأن نحب الأمن للمسلمين وأن نكره الفرقة والخوف والرعب للمسلمين، هذا هو الذي يجب علينا جميعًا تجاه أنفسنا ومجتمعاتنا وعلمائنا وولاة أمورنا، فعلينا أن نحرص على هذا الأمن وأن نحفظه، واعلموا أن باختلال الأمن تكون إراقة الدماء دمائي ودمائك، وباختلاله تسبتاح الأعراض والأموال، عرضي وعرضك، ومالي ومالك، وكلنا سيصيبنا الخلل الناتج عن اختلال الأمن، فلنحرص جميعًا على أن نقف يَدًا واحدة ضد كل إنسان يريد أن يسيء إلى أمننا، وإلى استقرارنا، وإلى جماعتنا، وإلى ولاة أمورنا وعلمائنا، نسأل الله جل وعلا أن يؤمننا في دورنا، وأن يصلح ولاة أمورنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|
|
|
05-20-2013
|
#2482
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
أثر الايمان في تحقيق الأمن ورغد العيش (11)
كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية حفظه الله
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد، إن أثر الإيمان في تحقيق الأمن ورغد العيش موضوع هام يهم جميع المسلمين ومعنى الموضوع أن الأمن، ورغد العيش، وطمأنينة النفس، واستقرار الأوضاع، وسلامة المجتمع من الانقسام والاضطراب والاختلاف، واجتماع الكلمة، وتآلف القلوب، ووحدة الهدف والصف، إنما هو أثر من آثار الإيمان، وذلك أن الأمن ورغد العيش لا تستطيع القوى المادية أن تحققه مهما أعطيت من إمكانات، ومهما وضعت من نظم وقوانين ودساتيرها لتحمي ذلك، فتَحَقُّق أمن النفوس واستقرارُها وانتظامُ الحياة على الوجه الْمَرْضِيِّ أمر لا يوجد إلا في الإسلام، ولذلك تجد في الدول المتقدمة مَادِّيًّا وعسكريًّا وزراعيًّا والتي بلغت ما بلغت أن الاضطراب فيها والقلق سائد لمجتمعاتهم، وتجد الجرائم المختلفة المتعددة والتي تتطور بتطور الزمن تجد منشأها ومنبعها من مجتمعاتهم الفاسدة.
إن الله جل وعلا بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهُدَى ودين الحق، بعثه على حين فترة من الرسل واندراس من العلم، بعثه في زمن اختفت فيه الملة الحنيفية، في وقت اندرست فيه معالم الهدى، وانطمست أنوار الهدى، وأصحبت المجتمعات في شقاء وبلاء وعناء، وكل له نصيبه من هذا الاضطراب والخلل في المعتقدات والأخلاق والقيم، فالأرض كلها مظلمة بالشرك والكفر، وبالظلم والعدوان، وبالتسلط والجبروت وظلم العباد وإذلالهم على اختلاف مناطق العالم، ولهذا وصف الله تلك الحالة بأنها ضلال بَيِّن فقال: ﴿وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [سورة البقرة: الآية 198] فهو ضلال عظيم.
قال بعض السلف يصف حالة الجاهلية: كان هذا الحي من العرب لا نعلم قبيلا من قبائل الناس أشر حالا منه، كانوا أعرى الخلق جلودا، وأبينهم ضلالا، وأفقرهم حالا، يؤكلون ولا يأكلون، كانوا في غاية من الذلة حتى جاء الله بالإسلام، فهدى به من الضلالة، وأغنى به من العيلة، وجمع به بعد الفرقة، وجعلكم يا أمة الإسلام ملوكا على رقاب العباد، فقد ذكرهم الله يوم بدر بهذه الآية: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة الأنفال: الآية 26].
فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فأطفأ الله به ظلمات الجهل والضلال، وهدى به إلى الحق، وأقام به العدل، ورفع به الظلم، وحقق به للخلق السعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: الآية 107].
فالمؤمنون به نالوا السعادة في الدنيا والآخرة وسعدوا تحت ظل سعادته، ومن لقي الله غير مؤمن برسول الله فالنار مقره.
إن الأمن ورغد العيش نعمة من نعم الله، ولله علينا نعم لا نستطيع عدها،وإحصاءها قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [سورة النحل: الآية 18].
وقال جل من قائل: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [سورة النحل: الآية 53]. وقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة النحل: الآية 78].
وقال: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [سورة إبراهيم: الآية 7].
فالأمن لا يحققه سوى شرع الله؛ لأن النظم البشرية يتمرد الإنسان عليها ويخترقها ويحتال عليها، فالإنسان الذي آمن بالله رَبًّا، وآمَن بالإسلام دِينًا، وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا ورسولا، وأحل ما أحل الله، وحرم ما حرم الله، ووقف عند الحدود، وامتثل الأوامر، واجتنب النواهي، هو الذي يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».(19) فالإسلام يربي أتباعه على القيم والفضائل، ويربيهم على احترام أموال المسلمين، بل حتى على أموال المعصومين غير المسلمين، ويربيهم على حقن الدماء، ويربيهم على المحافظة على الأعراض، ويسمو بهم إلى الفضائل، وينأى بهم عن الرذائل، ويثبت في قلوبهم الإيمان الصادق الذي يدعو إلى امتثال الأوامر وترك النواهي، فإذا استقام أفراد المجتمع على هذا الدين يُحِلُّون ما أحل الله، ويُحَرِّمون ما حرم الله، ويُحَكِّمُون شرع الله ويتحاكمون إليه، ويخضعون لتعاليم دينهم، وينقادون لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك يسود المجتمع الأمن والطمأنينة والاستقرار، فتأمن السبل، وتتوفر أسباب الرغد، وينعم الناس بنعمة الإسلام ونعمة رغد العيش ونعمة الأمان، لا يحقق ذلك إلا الإسلام الحق، ولذا قال الله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [سورة النور: الآية 55].
وحدود الله لضعيف الإيمان تردعه عن الإجرام، فإذا علم أن عقوبة السارق هي قطع يده، فإن ذلك يردعه عن الظلم وعن السرقة، وإذا علم متعاطي المسكر أن هناك حَدًّا شَرْعِيًّا فإنه يرتدع، وإذا علم من يزاول جريمة الزنا أن هناك حدَّ الجلد، والرجم للمحصن تباعد عن ذلك، وإذا علم المحارب وقاطع الطرق أن هناك عقوبة رادعة وهي القتل والصلب والنفي من الأرض، أحجم عما يريد، وإذا قوي الإيمان الذي يُذَكِّره أن الإجرام مآله عقوبة الله في الدنيا والآخرة، فعند ذلك تقل الجرائم، ولذا شرع الله القصاص لقتل القاتل ظُلْمًا وعدوانًا قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [سورة البقرة: الآية 179].
وشرع أيضًا العقوبات في قطع الأعضاء كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [سورة المائدة: الآية 45].
كل هذا يحققه الإيمان، فالإيمان الصادق يهيئ للمجتمع كلَّ خير، ويرتقي به إلى كل خير، وإذا ضعف الإيمان ولم يتم تحكيم الشريعة وضعف شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستمرأ الناس الخطأ، وعرفوا الإجرام ونشأوا عليه وتربوا، تفسد أخلاقهم ويفسد سلوكهم، فتعمهم الفوضى، ويضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ثم يلعنهم كما لعن من قبلهم.
إن الأمن ورغد العيش من ثمرات الإيمان الصادق، من ثمرات الإيمان الصحيح، فعلى المسلمين التمسك بدينهم، والثبات على دينهم الذي أكرمهم الله به، وألف به بين قلوبهم فأصبحوا بنعمة الله إخوانًا، نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا. ولا شك أن الأمن ورغد العيش نعمتان يُحْسَدُ عليها هذا البلد، يُحْسَدُ هذ البلد على دينه، ويُحْسَدُ على أمن وطنِه، ويُحْسَدُ على رغد العيش، ويُحْسَدُ على اجتماع الكلمة، ويُحْسَدُ على هذه القيادة المباركة، كلٌّ يَحْسُدُنا على هذه النعمة، يَحْسُدُونَنا على هذا الخير، ولكن نرجوا من الله أن يوفقنا لفهم حقيقة نِعَمه علينا لنقابلها بشكر الله، وبالثبات على الإسلام، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالأخذ على أيدي السفهاء والمفسدين، وألا نمكن لأي مفسد يريد الإفساد في هذا البلد مهما كان حاله، فلا بد من الأخذ على يده، والمسلمون إذا لم تكن هناك روح المحبة والتعاون سائدة بينهم لحماية المجتمع وحماية أمنه واستقراره والدفاع عنه فلن يتحقق ما نرجوه من الخير. فيجب أن يكون الكل عينا ساهرة على هذا البلد لحمايته من أيدي العابثين الذين قد يخدعهم ويغرر بهم غيرهم،ويسوقهم إلى الشر والبلاء ممن لا يبالي بأمن هذه الأمة وسلامتها، فالواجب الأخذ على أيدي هؤلاء، وألا نتساهل معهم.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، ويثبت مطيعهم، ويرزق الجميع الاستقامة وصلى الله على محمد.
|
|
|
05-20-2013
|
#2483
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (1)
المقدمة
الحمدلله الذي بحمده وشكره تدوم النعم , وبطاعته تندفع العقوبات والنقم , والصلاة والسلام على رسوله وصفوته من خلقه النبي المصطفى الأكرم , وعلى آله واصحابه مصابيح الدجى وخيار الأمم , ومن اتبع سنته واهتدى بهديه فنجا وسلم , أما بعد :
أيها الإخوة المسلمون : تذكروا نعم الله عليكم وما أكثرها , تذكروا آلاء الله عليكم وما أعظمها , تذكروا فضائل الله عليكم وما أجلها , يقول تعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث )الآية الأخيرة من سورة الضحى . ويقول تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )الآية من سورة النحل . فتذكروا هذه النعم , وارعوها حق رعايتها , بشكر الله المنعم بها عليكم بالأفعال والأقوال وليس بالأقوال فقط , بأداء حقوقها طاعة لله , والتماسا لرضاه , وطمعا في ثوابه وما أعده لعباده الشاكرين من حسن الجزاء , وعيش السعداء , فكل نعمة أنعم الله بها على العبد لها حقوق معلومة , يتوجب عليه أن يؤديها شكرا له وامتنانا , وبهذا يكون جديرا بنعمة الله عليه , ويبارك الله له في تلك النعمة - سواءا كانت حسية أو معنوية - , ويوفقه فيها , ويجعلها عونا له على طاعته , وسببا في نجاحه وفلاحه وسعادته دنيا وآخرة , فإن الله قد وعد عباده الشاكرين له على نعمه بأن يزيدهم منها , وأن يديمها عليهم , وأن يباركها لهم , والله منجز وعده (إن الله لا يخلف الميعاد) الآية 31 من سورة الرعد . يقول تعالى : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) الآية من سورة إبراهيم . وهي تتضمن وعدا إلهيا عظيما من رب العزة والجلال لعباده الشاكرين له على نعمه بأنه سيزيدهم منها , ووعيدا شديدا للكافرين به وبنعمه عليهم بأن عذابه لهم سيكون شديدا , والله منجز وعده لأهل طاعته ووعيده فيمن عصاه وخالف أمره ,( إن الله لا يخلف الميعاد). فينبغي على كل إنسان أن يحذر كل الحذر من التعرض لسخط الله , وأن يشكر الله على نعمه وآلائه بأداء حقوقها طاعة له وامتنانا , وأن يتذكر أن الله قد خصه بمكارم عظيمة لم يحظ بها أي مخلوق آخر من مخلوقاته , وشرفه بمزايا جليلة لم ينلها أي كائن آخر من كائناته , وأول تلك المكارم والمزايا أنه خلقه بيديه المقدستين ؛ - يعني صنعه صناعة - ؛ وهذا لم يحصل لأي مخلوق أو كائن آخر من مخلوقات الله تعالى , فإن جميع مخلوقات الله ما علمنا منها وما لم نعلم , ما رأينا منها وما لم نرى , قال الله لها : كوني ؛ فكانت , إلا الإنسان - آدم عليه السلام الذي هو أبو جميع البشر الموجودين على هذه المعمورة - ؛ فإن الله خلقه بيديه المقدستين الكريمتين ؛ وهي المكرمة الأولى ؛ وأما المكرمة الثانية : فإنه نفخ فيه من روحه المقدسة ؛ وأما المكرمة الثالثة : فإنه علمه الأسماء كلها ؛ وأما المكرمة الرابعة : فإنه أمر ملائكته المطهرين بالسجود له - سجود تكريم لا سجود عبادة حيث كان السجود مشروعا للأنبياء والصالحين على وجه التكريم والإحترام لهم , وذالك قبل بعثة محمد صالله عليه وسلم , فلما ختم الله النبوة والرسالة بنبوة ورسالة سيد الخلق أجمعين , وخاتم النبيين , وأشرف المرسلين , أكمل برسالته الدين , فنسخ الله فيها السجود لغيره إلى يوم الدين , وذلك صيانة وحماية لجناب التوحيد من كل شبهة ينفذ منها أهل الشبهات , فيستغلونها في بذر بدع الشرك والضلال , ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " - يعني : للعظيم حقه عليها - . - ؛ وأما المكرمة الخامسة : فإنه أدخله جنته ؛ فلما نسي آدم ما أمره به الله وما نهاه عنه , وعصاه وخالف أمره , اقتضت مشيئة الله سبحانه إخراجه منها وإنزاله إلى الأرض عقوبة له , كما جاء بيانه في قوله تعالى : ( وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) الآيتان من سورة طه . وأنعم عليه بنعمة العقل والعلم والنطق والفهم , واستخلفه وذريته على هذه المعمورة إلى يوم الدين ؛ وحمله وذريته بأمانته ؛ ووعده بأن يعيده إلى جنته مع من صلح من ذريته , وسخر له ولذريته ولمنفعتهم كلما على هذه المعمورة وما يتصل بها من آياته ومخلوقاته ؛ انظروا إلى قوله تعالى : ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) الآية من سورة لقمان . فهذه المكارم العظمى التي خص الله بها آدم عليه السلام وشرفه بها من بين سائر مخلوقاته , يشمل شرفها ويعم فضلها جميع ذريته إلى يوم الدين , يقول تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)الآية من سورة الإسراء . وقد فصل الله لنا تلك المكارم التي خص بها الإنسان في كثير من سور القرآن الكريم في مقدمتها : سور البقرة والأنعام والأعراف والنحل وطه وغيرها . وأما نعم الله التي أنعم بها على الناس عموما فلا يحصيها إلا هو جل جلاله , وكما قال تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) الآية من سورة إبراهيم . ويقول تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناءاو أنزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون)الآيتان من سورة البقرة . والآيات التي بين الله فيها نعمه على الناس كثيرة جدا وكذالك الأحاديث . نعم أيها الإخوة إن الإنسان ظلوم لنفسه وغيره منذ أن حمل أمانة ربه على هذه المعمورة - إلا من رحم الله - وإنه لكافر بنعم الله عليه منذ وجوده على هذه المعمورة - إلا من رحم الله - وهذه سنة الله فيه منذ أن توعده عدو الله وعدوه ـ إبليس لعنه الله - عندما حسد أبونا آدم عليه السلام على تلك المكارم العظمى التي شرفه الله بها وخصه بها من بين سائر مخلوقاته , فرفض مشاركة الملائكة في تنفيذ أمرالله بالسجود له , فطرده الله من رحمته , وكتب عليه اللعنة إلى أبد الآبدين , فلما رأى عدو الله ما آل إليه أمره , أقسم لينتقمن من آدم وذريته إلى يوم الدين , كما جاء بيانه في القرآن الكريم : ( قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغويتهم أجمعين * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) . والآيات الواردة في عرض قصة إبليس وجنوده مع آدم وذريته كثيرة جدا وكذالك الأحاديث , والآيات التي حذر الله فيها آدم وذريته من إبليس وجنوده كثيرة جدا وكذالك الأحاديث , يقول تعالى : ( ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله لغني عن العالمين ) . نعم أيها الإخوة المسلمون : إن من أوجب الواجبات على العباد أن يشكروا الله على نعمه , بالأقوال والأفعال وليس بالأقوال فقط , بأداء حقوقها عليهم طاعة لله وامتنانا له سبحانه , فكل نعمة ولها حقوق معلومة لا يكون العبد جديرا بها حتى يؤدي حقوقها شكرا لله الذي أنعم بها عليه وامتنانا له سبحانه , وبهذا يكون حقا من عباد الله الشاكرين الذين وعدهم بالجزاء الحسن وبالمزيد من نعمه ودوامها وتنزّل البركة فيها وتمامها.. وسأستعرض بعد هذه المقدمة المتواضعة عدداً من هذه النعم مذكرا بها وببعض حقوقها مسنمدا العون والتوفيق من الله تعالى .
|
|
|
05-20-2013
|
#2484
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (2)
النعمة الأولى
وهي أعظم نعم الله علينا نحن المسلمون هي نعمة الإسلام والإيمان ؛ هذا الدين الحنيف الذي شرفنا الله به أعظم تشريف , فما هو حق هذه النعمة العظيمة ؟ حقها أن نتمسك بهذا الدين الحق وبتعاليمه الربانية العظيمة ؛ وبشريعته الإسلامية المطهرة ؛ وبآدابه الأصيلة ؛ ولا نحيد عنه ؛ ولا نقبل سواه ؛ امتثالا لأمر الله جل جلاله إذ بقول : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الآية من سورة الأنعام . ولا يتحقق هذا إلا لمن شرح الله صدورهم لهذا الدين الحنيف , كما قال تعالى في الآية من السورة نفسها : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذالك يجعل الله الرجس على الذين لا يعقلون )الآية من سورة الأنعام . وقد حذر الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تحذيرا شديدا من الميل عن هذا الدين الحق ومن الإعراض عن شيئ من تعاليمه وأحكامه المستمدة من الكتاب والسنة ؛ وتوعد من يفعلون ذالك بأشد الوعيد ؛ يقول تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )الآية من سورة آل عمران . ويقول تعالى : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) الآية من سورة المائدة . ويقول تعالى : ( فمن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ) الآية من سورة السجدة . والآيات الواردة في بيان هذا المعنى كثيرة جدا وكذالك الأحاديث . وفي المقابل فإن الله جل جلاله قد أثنى في كثير من آياته وأحاديث رسوله صلى عليه وسلم على عباده المؤمنين الذين تمسكوا بدينه وهداه ؛ وشكروه على نعمه العظيمة عليهم وفي مقدمتها أن من عليهم بالهداية والتوفيق لهذا الدين الحق ؛ ومنها قوله تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) الآية من سورة البقرة . ويقول تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) الآية 3 من سورة المائدة . ويقول تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ) الآيتان من سورة الكهف . ويقول تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذالك لمن خشي ربه ) الآيتان الأخيرتان من سورة البينة . وغيرها كثير . فيجب على جميع المسلمين والمسلمات أن يشكروا الله على أن هداهم للإسلام والإيمان ؛ وزادهم شرفا أن جعلهم خير الأمم ؛ كما قال تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) الآية من سورة آل عمران . فيتمسكون بهذا الدين الحنيف وبتعاليمه وأحكامه وآدابه نصا وروحا ؛ قولا وعملا واعتقادا ؛ وبأداء شعائره ؛ وبما حثهم عليه من اجتماع الكلمة ووحدة الصف , ولزوم الجماعة , والسمع والطاعة لولاة الأمر, ولا يحيدون عنه قيد أنملة ؛ ليكونون شاكرين لله حقا على هذه النعمة العظيمة التي شرفهم يها وأولاهم بها ؛ وليكونون جديرين بها حقا ؛ فهي التي ستقودهم إلى شكر الله على جميع نعمه عليهم ؛ برعايتها والتمسك بالإجتماع عليها وأداء حقوقها ؛ والحذر من الإنحراف عنها , ليقطفوا ثمارها دنيا وآخرة ؛ سعادة الدارين والعزة والكرامة والتمكين في الأرضين والفوز برضوان رب العالمين .
|
|
|
05-20-2013
|
#2485
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (3)
ا النعمة الثانية
من نعم الله على الإنسان التي أود التذكير بها وببعض حقوقها وواجب شكر الله عليها فهي : نعمة العقل ؛ ومعلوم لدى كل إنسان عاقل منزلة العقل ومكانته العظمى بين نعم الله على الإنسان وبين سائر الضرورات التي تدور عليها أوامر الله ونواهيه ؛ فإذا كانت التكاليف الشرعية - وهي أوامر الله ونواهيه - مبناها ومدارها على الضرورات الخمس ؛ - وهي : حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض والنسل وحفظ المال - فإن العقل هو جوهرة هذه الضرورات ؛ لأنه مناط التكليف - كما قال أهل العلم - وكما نصت على هذا الأدلة الشرعية ؛ فبدون العقل لايكون هناك تكليف , ففاقد عقله بالجنون لا تكليف عليه كما هو معلوم ولا يصح له عمل حتى يفيق من جنونه ويعود إليه عقله ورشده , والصغير لا تكليف عليه حتى يبلغ سن الرشد - يعني سن البلوغ وهي سن التكليف - لأنه لا يكتمل عقله ورشده إلا بعد بلوغه , وإنما الوجوب على ولي أمره في تكليفه بإقامة الصلاة المفروضة بعد بلوغه سن التمييز وأجر صلاته وغيرها من الأعمال الصالحات لولي أمره الذي كلفه بأدائها حتى يبلغ وعندها يكون مكلفا له أجر عمله الصالح وعليه إثم إفراطه وتفريطه . والله لا يقبل العمل بدون وجود العقل , ولهذا لا تصح صلاة ولا غيرها من فاقد لعقله تحت أي ظرف أو سبب , سواءا كان متعمدا من الإنسان أو خارجا عن إرادته واختياره , فالعقل نعمة كبرى من الله على الإنسان , فمن خلاله يستطيع التمييز بين الحق والباطل , والخير والشر , والهدى والضلال , والصواب والغلط , والنفع والضر , والصالح والفاسد , وغير ذالك من المتضادات والمتناقضات , فإذا كان القلب ملك الجسد فإن العقل قائد جنوده ومنفذ توجيهاته , فما هو حق شكر هذه النعمة العظيمة ؟ لقد كتب الكثيرون من علماء الأمة الإسلامية قديما وحديثا عن هذه النعمة وما يجب على العبد من شكر الله عليها ورعايتها والمحافظة عليها وأداء حقوقها فجزاهم الله خير الجزاء , وبودي أن أنبه إلى بعض منها في هذه المحاضرة المتواضعة , وأولها : معرفة الله ومعرفة رسوله محمد صلى عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة والعمل بمقتضى هذه المعرفة . ثانيا : تحقيق معنى شهادة " لا إله إلا الله " ؛ بإخلاص جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له ؛ وتحقيق معنى شهادة أن محمد ا رسول الله بطاعته وتصديقه واتباعه ؛ مع كمال الإيمان بالله رب العالمين وببقية أصول الإيمان الستة . ثالثا : تقوى الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه , وخشيته ومراقبته في السر والعلن , والمداومة على أداء فرائضه وواجباته وسننه , وتنوير العقل بنور الله المستمد من كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , بحفظ ما استطاع من كتاب الله وأحاديث رسوله , مع الإكثار من ذكر الله آناء الليل وآناء النهار , في أعقاب الصلوات وفي سائر الأوقات والأحوال والساعات التي يشرع فيها ذكر الله ؛ وخير الذكر كتاب الله ثم ما اشتق منه ؛ كما جاء في الحديث الشريف : " خير الكلام بعد القرآن أربع وكلهن من القرآن " إلى آخره . رابعا : الرضا عن الله , وحسن الظن بالله , والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم . خامسا : لزوم أهل السنة والجماعة , وهجر أهل البدعة والضلالة . سادسا : الإستغناء بالحلال عن الحرام , وبالمباحات عن المحرمات . وبهذا يبقى عقله مستنيرا بنور الله وجوارحه مشغولة بطاعة الله , ونفسه راضية عن الله , قانعة بما قسم الله , وقلبه عامرا بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , ولا يكون للشيطان عليه سبيل بحول الله رب العالمين . سابعا : عدم الإضرار بنعمة العقل بتعاطي ما يؤثر عليه أو يتلفه سواءا كان ماديا ـ كتعاطي المخدرات أوأي نوع من أنواع المسكرات - , أوكان معنويا - كعلوم السحر والكهانة وغيرها من العلوم المحرمة - , فإن الله قد حرم تحريما شديدا تعاطي تلك المواد المدمرة وتعلم تلك العلوم االفاسدة الهدامة , وشرع العقوبات القاسية على من يقعون فيها , لما تلحقه من ضرر بليغ بالعقل والجسد والقيم والأخلاق في آن واحد , مما هو معلوم بالضرورة لدى كل إنسان عاقل , وهذا من أقوى الأدلة والبراهين على عظمة هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي بعث الله به رسوله ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وسمو تعاليمه الربانية المجيدة , وعلى كمال هذه الشريعة الإسلامية الغراء التي أرسله بها إلى الناس كافة , المستوفية لكل المحاسن والفضائل والمحامد والمقاصد التي فيها صلاح البلاد والعباد إلى يوم المعاد . ثامنا : التفكر والتدبر في ملكوت الله الواحد الأحد وفي آياته ومعجزاته وبديع صنعه جل جلاله . تاسعا : تقييد العقل بما جاء في كتاب الله وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم , وعدم السماح له بتجاوزهما حتى لا يؤدي بصاحبه إلى الزندقة والإلحاد , كما وقع للفلاسفة وغيرهم ممن أطلقوا لعقولهم العنان فأفضت بهم إلى الخروج عن دائرة الحق , والإلحاد والزندقة في دين الله والتقول على الله بغير حق , تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
|
|
|
05-20-2013
|
#2486
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (4)
النعمة الثالثة
من نعم الله العظمى على الإنسان - التي أود التذكير بها وببعض حقوقها وبوجوب شكرها للمنعم بها جل جلاله - فهي نعمة الصحة في الأبدان , فإنها نعمة عظمى من الله عز وجل على الإنسان , سواءا كانت صحة كاملة في جميع الأعضاء والجوارح والحواس ـ وذالك هو تمام نعمة الصحة في الأبدان ـ, أوكانت صحة جزئية في بعض الأعضاء والجوارح والحواس , فكل عضو من ابن آدم أو جارحة من جوارحه أو حاسة من حواسه بصحة وعافية فهي نعمة كبرى من الله عليه يجب عليه أن يشكره عليها بأداء حقوقها طاعة له وامتنانا له سبحانه , ويتحقق هذا بتسخيرها في طاعة الله والإستعانة بها على ما يرضي الله , وإعطاءها حقوقها في حدود شرع الله , وعدم تعمد تعريضها للضرر هكذا بدونما ضرورة شرعية , أو كما قال رسول صلى الله عليه وسلم : "إن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه" رواه البخاري. فالبدن بكل جوارحه وأعضائه وحواسه مملوك لخالقه جل جلاله ؛ فلا يجوز لصاحبه أن يستعمله أو أن يوجهه أو أن يستخدمه إلا فيما أمره به وشرعه له مالكه وهو الله الذي خلقه وأوجده ؛ ولا يجوز له أن يحمله أو يحمل شيئا منه ما لا يطيق , أو أن يزهق روحه متعمدا إزهاقها , فإن فعل ذالك استحق سخط الله والخلود في نار الجحبم والعياذ بالله , فالحذر كل الحذر من الكفر بنعم الله والعبث بها والإستهانة بحقوقها , مما يؤدي لسخط الله وعقوبته وعذابه والعياذ بالله , فالصحة في البدن نعمة عظمى من الله على الإنسان , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " رواه البخاري . وقال في حديث آخر : " من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا " سنن الترمذي . وغير ذالك من النصوص الكثيرة الدالة على مكانة هذه النعمة العظمى بين نعم الله على العباد , ـ فالصحة في البدن تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى كما قيل ـ فيجب على كل إنسان في صحة وعافية في بدنه وأمن واطمئنان في موقع إقامته , أن يكون شاكرا لله حق شكره على هذه النعمة العظمى , على النحو الذي أشرنا إليه , ونبهنا عليه , حتى تأتي جميع جوارحه يوم الدين شاهدة له لا عليه , فإن الله قد توعد العصاة بأن جوارحهم ستشهد عليهم يوم الدين بما سخروها فيه من مخالفة أمره والتفريط في حقوقه عليهم , وما استخدموها فيه من الإفراط في معاصيه , والوقوع في حقوق خلقه , قال تعالى : ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون ) الآية 24 من سورة النور. ويقول تعالى : ( وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ) الآية 21 من سورة فصلت . وقد وردت في هذا المعنى أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تتضمن الحث على رعاية نعمة الصحة في البدن بتسخير جوارحه في طاعة الله ومراضيه , والتحذير من استخدامها في شيئ من معاصيه , وكما هو معلوم فإن القلب هو ملك البدن والأعضاء جنوده , أو كما قال رسول الله صلى عليه وسلم : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " متفق عليه . وصلاح القلب يتحقق بالأمور التي يصلح بها العقل , وذكرناها في حديثنا عن نعمة العقل , فمتى صلح القلب صلحت جنوده - يعني أعضاؤه وحواسه وسائر جوارحه التي يتكون منها الجسد وفي مقدمتها العقل - , ومتى فسد القلب فسدت جنوده , وفي مقدمتها قائد جنوده وهو العقل , ويكون صاحبه عندها كافرا بنعمة الله , متعرضا لسخط الله وعقوبته , ما لم يتداركه الله بتوبة منه ورحمة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيما فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه " سنن الترمذي .
|
|
|
05-20-2013
|
#2487
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (5)
النعمة الرابعة
التي أود التذكير بها وببعض حقوقها في هذا الجهد المتواضع فهي : نعمة العلم ؛ سواءا كان العلم المفروض علينا فرض عين وهو معرفة الله ومعرفة رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ؛ أو ما كان حكم تعلمه فرض كفاية أوسنة ؛ من العلوم الشرعية ؛ والعلوم الدنيوية الضرورية النافعة , كعلوم الطب والحساب والهندسة والصناعة وغيرها من العلوم النافعة والمفيدة لما فيه صلاح العباد والبلاد , فشكر الله على من تعلم شيئا من هذه العلوم النافعة أن يعمل بما علم منها , فإن العلم بدون عمل لا معنى له ولا خير فيه ولا في صاحبه الذي يحمله حتى وإن كان علما شرعيا , فلا يكون له معنى ولا يكون له ثمرة نافعة ولا يكون فيه وفي حامله خير حتى يعمل به , ليس هذا فحسب بل وينفع الناس به ويدعوهم إليه , محتسبا صنيعه هذا لله وشكرا لله الذي علمه ما لم يعلم , وبهذا يكون شاكرا لله حقا على نعمة العلم , جديرا بها , مؤديا لحقها ؛ ومما هو معلوم أن أشرف العلوم هو ما جاء من عند الله فهو الإرث الذي خلفه أنبياؤه لمن هداهم الله له ووفقهم له وشرفهم به ؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا هذا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر" رواه البخاري ومسلم وغيرهما . فإذا اجتمع هذا العلم النافع الجليل مع الإيمان والتقوى لدى إنسان ؛ بلغ منزلة ليس فوقها إلا منازل النبيين والمرسلين ولهذا قال الله تعالى : (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) الآية 11 من سورة المجادلة . وأيضا من تمام شكر الله على نعمة العلم أن يحترمه حامله وطالبه ويشرفه ويصونه من الإبتذال والدنايا ليقطف ثمرة فضله وشرفه , وقديما قيل :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظِّما
|
|
|
05-20-2013
|
#2488
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (6)
النعمة الخامسة
من النعم التي أود التذكير بها في هذا الجهد المتواضع فهي : رضا الوالدين ؛ لعظيم حقهما الذي قرنه رب العزة والجلال بحقه على عباده للدلالة على عظيم فضله ومنزلته لديه ؛ كما تواردت بهدا نصوص القرآن والسنة المطهرة ؛ - وقد قيل : رضا الله من رضا الوالدين وسخطه من سخط الوالدين - . ويتحقق هذا ببرهما والتلطف في مخاطبتهما وطاعتهما في غير معصية الله - فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق- وخفض الجناح لهما تذللا وتواضعا لهما كما أمر بهذا رب العزة والجلال في كثير من آيات كتابه العزيز وأحاديث رسولخ صلى الله عليه وسلم حيث قرن حقهما على أولادهما بحقه تعالى على سائر العباد , والدعاء لهما , وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما . صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف " قيل : من ؟ يا رسول الله ! قال : " من أدرك أبويه عند الكبر ، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة " . يعني ببره بهما وطاعتهما والإحسان إليهما .
|
|
|
05-20-2013
|
#2489
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (7)
النعمة السادسة
التي أود التذكير بها فهي : نعمة التوافق بين زوجين متكافئين جمع الله بينهما بعقد نكاح صحيح مبني على إيجاب وقبول من الطرفين وتراضي واقتناع منهما , فهو نعمة من الله لكليهما معا تستوجب منهما معا شكر الله عليها حق شكره ؛ ولا بد لهما أولا من معرفة المقاصد الجليلة التي شرع الله الزواج من أجل تحقيقها وفي مقدمتها : غض البصر ؛ وتحصين الفرج ؛ وتكوين أسرة مسلمة ؛ وإنجاب الذرية الصالحين , ولما كانت المرأة هي الأصل والأساس الذي تبنى عليه الحياة الزوجية ونجاحها وسعادتها , جاءت الأدلة بالتركيز عليها في هذا المعنى , ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بخير ما يكنز : المرأة الصالحة إذا نظر إليها - يعني زوجها - سرته ، وإذا غاب عنها حفظته ، وإذا أمرها أطاعته " خرجه النووي وابن حجر. فينبغي على كل زوجين مؤمنين أن يشكرا الله على ما من به عليهما من اجتماع على سنته وستر وحصانة بحلاله لتكوين أسرة مسلمة وبناء بيت صالح جديد يضاف إلى بناء مجتمعهما المسلم ولإنجاب الذرية الصالحين ؛ فيعرف كل واحد منهما حق الآخر عليه ويؤديه على قدر وسعه واستطاعته عن طيب نفس وانشراح صدر؛ ولا يطلب أحدهما من الثاني ما ليس له بحق ولا يكلفه بما لا يطيق ؛ وإنما معاشرة بإحسان في حدود ما شرع الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وليعلم كل واحد من الزوجين أن الحياة الزوجية الناجحة أساسها الإخلاص لله ومراقبته وخشيته في السر والعلن والصبر والتحمل وتغليب حسن الظن ؛ وعلى الزوجة أن تكون أكثر تحملا وصبرا وأكثر تضحية ووفاءا من أجل المحافظة على حياتها الزوجية وعلى استقرار أولا دها وسعادتهم لأنها عتبة البيت ولأن حق الزوج عظيم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " رواه الترمذي وصححه الألباني ؛ - وفيه شاهد على عظيم حق الزوج على زوجته - . فلتكن كما أحب الله لها أن تكون زوجة مخلصة صالحة تقية وفية قانعة بما قسم الله لها حتى وإن لمست من زوجها بعض التقصير وبعض الحيف في حقوقها تصبر وتحتسب والله معها فهو خير لها من اللجوء إلى أبغض الحلال لأنه قد يكون أكبر ضررا عليها من الصبر على زوج مقصر أو ظالم ما دام على ملة الإسلام ؛ فلعل وعسى أن يصلح الله من أمره وحاله ويعوضها ما لحقها بسببه من عناء أو مظلمة , يقول الله تعالى في ثنائه على النساء المؤمنات الصالحات : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) الآية 34 من سورة النساء وما أجمله وأروعه من ثناء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صلت المرأة خمسها ، و صامت شهرها ، و حفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، دخلت الجنة " صحيح الجامع ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا متاع . وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم . ويجب على من وفقه الله ومن عليه بزوجة صالحة أن يشكر الله على هذه النعمة العظيمة بأداء حقوقها ليديم الله عليه وعلى زوجته الصالحة نعمة الإجتماع والسعادة الزوجية والتوفيق لما يرضيه عنهما , وليكن قدوته في حسن المعاشرة لزوجته سيد الناس وأوفاهم وخيرهم لأهله رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " رواه الطبري وغيره . وقال في حديث آخر : " إن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه " رواه البخاري . وحتى إن لمس في خلقها بعض سوء وفي طباعها بعض شطط فليتحملها وليصبر عليها ما دامت حافظة لنفسها ودينها وصلاتها ؛ فالمرأة كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن خلقن من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وأن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا " رواه البخاري . أو كما ورد بنص الحديث . ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته للأزواج : " لا يفرك مؤمن مؤمنة . إن كره منها خلقا رضي منها آخر" رواه مسلم . ولأن حسن الخلق هو من صفات الأزواج الأخيار الصالحين حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم من شأنه ومن صلته بالإيمان والبر والتقوى ؛ ومن الأدلة على هذا المعنى الجليل قوله صلى الله عليه وسلم : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا . وخياركم خياركم لنسائهم " رواه الترمذي . فمن كان يود أن يكمل إيمانه ويكون من خيار الناس فليتحل بحسن الخلق ومكارم الأخلاق ؛ وليكن خيرا في تعامله مع زوجته ومعاشرته لها وليكن أبا رحيما ببناته ؛ وليتق الله فيمن هو مسئول عنهم أمام الله من النساء سواءا كانوا زوجاته أو بناته أو أخواته أو غيرهن ؛ وليعلم أنه لن يكون جديرا بنعمة الزواج والحياة الزوجية التي يسرها الله له حتى يكون زوجا صالحا محسنا في معاشرة زوجته ؛ فليكن ممن قال فيهم القائل : مقاويل بالمعروف خرس عن الخنا كرام يعاطون العشيرة سؤلها
|
|
|
05-20-2013
|
#2490
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
بالشكر تدوم النعم (8)
النعمة السابعة
التي أود التذكير بها فهي : صلاح الأولاد ونجابتهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " صحيح الجامع . والثلاث جميعها من أعظم نعم الله على الإنسان في حياته الدنيوية وبعد مماته , وقديما قيل :
نعم الإله على العباد كثيرة ... وأجلهن نجابة الأولاد .
وإن كان في هذا البيت من الشعر مبالغة من قائله لوجود نعم من الله على العباد أجل منها وأعظم وقد سبق التذكير بها في هذا الجهد المتواضع ؛ إلا أن هذا لا يمنع من القول بأن صلاح الألاد ونجابتهم من أعظم نعم الله على العباد , فمن وفقه الله لما يرضيه عنه ؛ ولما يرضي والديه عنه ؛ ولحياة زوجية سعيدة مع زوجة مؤمنة صالحة كفؤة , ورزقه بذرية نجباء صالحين , فهي نعم عظمى أنعم الله بها عليه فليشكر الله عليها برعايتها والمحافظة عليها وأداء حقوقها ليديمها الله عليه ويسعده بها في الدنيا والآخرة .
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن
| | | | | | | | | | | | | | |