عدد مرات النقر : 252
عدد  مرات الظهور : 17,979,583
عدد مرات النقر : 299
عدد  مرات الظهور : 17,979,583
عدد مرات النقر : 502
عدد  مرات الظهور : 17,979,583
عدد مرات النقر : 118
عدد  مرات الظهور : 17,979,583

عدد مرات النقر : 270
عدد  مرات الظهور : 17,979,583
عدد مرات النقر : 65
عدد  مرات الظهور : 17,979,583
عدد مرات النقر : 0
عدد  مرات الظهور : 31,091,144

عدد مرات النقر : 635
عدد  مرات الظهور : 26,076,136 
عدد مرات النقر : 463
عدد  مرات الظهور : 25,358,520

عدد مرات النقر : 9,121
عدد  مرات الظهور : 8,402,012 
عدد مرات النقر : 501
عدد  مرات الظهور : 24,109,738

عدد مرات النقر : 387
عدد  مرات الظهور : 27,134,624 
عدد مرات النقر : 452
عدد  مرات الظهور : 41,020,956
فعاليات متجدده وممتعه عبر صفحات منتدانا الغالي
مطبخ تليد   طابور التميز   فعالية لعيون الاعضاء  جدد نشاطك  تميز وكون انت الأول   الفياتكم هداياكم  مين صاحب الصورة   شباب وبنات في ورطه  عضو كلبشناه  صوره وتعليق  مثل وصورة  

- القسـم الاسلامـي قلوب تخفق بذكر الله| منبعُ الإيمانِ فيَ محْرابُ النفوَسَ" | خاص بالمواضيع الإسلامية | فوائد دينية| احاديث واحكام |

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-16-2010
ريكاردو كاكا غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 عضويتي » 241
 جيت فيذا » Dec 2009
 آخر حضور » 10-12-2011 (06:23 PM)
مواضيعي » 377
آبدآعاتي » 771
تقييمآتي » 5000
الاعجابات المتلقاة » 0
الاعجابات المُرسلة » 0
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »  ذكر
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » ريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاءريكاردو كاكا الاعضاء
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي باب المراقبة



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



5- باب المراقبة

قال الله تعالي: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:218/219) وقال الله تعالي ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )(الحديد: من الآية4) وقال تعالي:(إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) وفال تعالي : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:14وقال تعالي :(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19) ، والآيات في الباب كثيرة معلومة.

الشرح

لما ذكر المؤلف- رحمه الله - باب الصدق، وذكر الآيات والأحاديث الواردة في ذلك أعقب هذا بباب المراقبة . المراقبة لها وجهان:
الوجه الأول: أن تراقب الله عز وجل.
والوجه الثاني: أن الله تعالي رقيب عليك كما قال تعالي: ) وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً)(الأحزاب: من الآية52).
أما مراقبتك لله فأن تعلم أن الله- تعالي- يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات ، كما قال الله تعالي: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (217) (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:217/219) ، يراك حين تقوم، أي: في الليل حين يقوم الإنسان في مكان خال لا يطلع عليه أحد، فالله سبحانه وتعالي يراه. حتى ولو كان في أعظم ظلمة وأحلك ظلمة؛ فإن الله تعالي يراه.
وقوله: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:219) أي : وأنت تتقلب في الذين يسجدون في هذه الساعة ، يعني تقلبك فيهم، أي: معهم، فإن الله- سبحانه وتعالي- يري الإنسان حين قيامه وحين سجوده.
وذكر القيام والسجود؛ لأن القيام في الصلاة أشرف من السجود بذكره، والسجود أفضل من القيام بهيئته.
أما كون القيام أفضل من السجود بذكره؟ فلأن الذكر المشروع في القيام هو قراءة القرآن، والقرآن افضل الكلام .
أما السجود فهو أشرف من القيام بهيئته؛ لأن الإنسان الساجد أقرب ما يكون من ربه عز وجل ،كما ثبت ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)).
ولهذا أمرنا أن نكثر من الدعاء في السجود، كذلك من مراقبتك لله، أ تعلم أن الله يسمعك، فأي قول تقوله؛ فإن الله تعالي يسمعك ؛ كما قال الله: )أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80) ، بلي: يعني نسمع ذلك.
ومع هذا فإن الذي تتكلم به - خيرا كان أم سرا، معلناً أم ميسراً- فإنه يكتب لك أو عليك؛ كما قال الله تبارك وتعالي : )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18) فراقب هذا الأمر ، وإياك أن تخرج من لسانك قولاً تحاسب عليه يوم القيامة، اجعل دائما لسانك يقول الحق أو يصمت، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً أو ليصمت))(1).
الثالث: أن تراقب الله في سرك وفي قلبك، انظر ماذا في قلبك من الشرك بالله والرياء، والانحرافات، والحقد على المؤمنين،وبغضاء، وكراهية،ومحبة للكافرين ، وما اشبه ذلك من الأشياء التي لا يرضاها الله عز وجل؟
راقب قلبك، تفقده دائماً؛ فإن الله يقول: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه)(قّ: من الآية16) ، قبل أن ينطق به.
فراقب الله في هذه المواضع الثلاثة، في فعلك ، وفي قولك، وفي سريرتك، وفي قلبك، حتى تتم لك المراقبة، ولهذا لما سئل النبي صلي الله عليه وسلم عن الإحسان قال: (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
اعبد الله كانك تراه ، كأنك تشاهده رأي عين، فإن لم تكن تراه فانزل إلي المرتبة الثانية: (( فإنه يراك)).
فالأول: عبادة رغبة وطمع، أن تعبد الله كأنك تراه، والثاني: عبادة رهبة وخوف، ولهذا قال: (( فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
فلابد أن تراقب ربك، وأن تعلم أن الله رقيب عليك، أي شيء تقوله، أو تفعله، أو تضمره في سرك فالله تعالي عليم به، وقد ذكر المؤلف- رحمه الله- من الآيات ما يدل علي هذا، فبدأ بالآية التي ذكرناها؛ وهي قوله- تعالي- لنبيه محمد النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم : )وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (217)(الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) (218) (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (219) (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الشعراء:217-220) .
الآية الثانية التي ساقها المؤلف- رحمه الله تعالي- في باب المراقبة: قوله تعالي: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(الحديد: من الآية4) الضمير ( هو) يعود على الله، أي: الله سبحانه وتعالي مع عباده أينما كانوا: في بر أو بحر، أو جو، أو في ظلمة، أوفي ضياء. وفي أي حال هو معكم أينما كنتم. وهذا يدل على كمال إحاطته عز وجل بنا علما وقدرة وسلطانا وتدبيرا وغير ذلك. ولا نعني أنه سبحانه وتعالي معنا في نفس المكان الذي نحن فيه؛ لأن الله فوق كل سيء، كما قال الله تعالي: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (الطالب:ـه:5) ، وقال (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)(الأنعام: من الآية18) وقال تعالي: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)(الملك: من الآية16) وقال: ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(البقرة: من الآية255) وقال (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1)، إلي غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أنه فوق كل شيء، لكنه عز وجل ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته، وهو على دنوه، قريب في علوه جل وعلا، كما قال الله تعالي: )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)(البقرة: من الآية186) ، ولكن يجب أن نعلم أنه ليس في الأرض، لأننا لو توهمنا هذا، لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالي. وأيضاً فإن الله سبحانه لا يسعه شيء من مخلوقاته: ) وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)(البقرة: من الآية255).
الكرسي محيط بالسماوات والأرض كلها ، والكرسي هو موضع قدي الرحمن عز وجل، والعرش أعظم وأعظم وأعظم، كما جاء في الحديث: (( إن السموات السبع والأرضيين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض)).
حلقة كحلقة المغفر صغيرة في فلاة من الأرض، أي مكان متسع، نسبة هذه الحلقة إلي الأرض ليست بشيء.
قال : (( زإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة))(1) ، فما بالك بالخالق جل وعلا! الخالق - سبحانه وتعالي- لا يمكن أن يكون في الأرض ، لأنه - سبحانه وتعالي- أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته ) وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم)(الحديد: من الآية4).
واعلم أن المعية التي أضافها الله إلي نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن.فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق علما وقدرة وسلطانا وتدبيراً وغير ذلك، مثل هذه الآية : ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم) ومثل قوله تعالي: ) مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ )(المجادلة: من الآية7).
وتارة يكون المراد بها التهديد والإنذار، كما في قوله تعالي: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (النساء:108) ، فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يبينوا ما لا يرضي من القول يكتمونه عن الناس، يظنون أن الله لا يعلم، والله- سبحانه - عليم بكل شيء.
وتارة يراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك، مثل قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) ، وكما في قوله تعالي: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:35) ، والآيات في هذا كثيرة.
وهذا القسم الثالث من أقسام المعية تارة يضاف إلي المخلوق بالوصف، وتارة يضاف إلي المخلوق بالعين.
فقوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) ، هذا مضاف إلي المخلوق بالوصف، فأي إنسان يكون كذلك فالله معه.
وتارة يكون مضافاً إلي المخلوق بعين الشخص، مثل قوله تعالي: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)(التوبة: من الآية40)، فهذا مضاف إلي الشخص بعينه، وهي للرسول - عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر - رضي الله عنه- وهما في الغار، لما قال أبو بكر للرسول النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم : يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلي قدميه لأبصرنا، لأن قريشاً كانت تطلب الرسول النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم وابا بكر- رضي الله عنه- بكل جد! ما من جبل إلا صعدت عليه، وما من واد إلا هبطت فيه، وما من فلاة إلا بحثت، وجعلت لمن يأتي بالرسول- عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر مائتي بعير، مائة للرسول، ومائة لأبي بكر، وتعب الناس وهم يطلبونها، ولكن الله معها. حتى وقفوا على الغار ،يقول ابو بكر: لو نظر أحدهم إلي قدميه لأبصرنا، فيقول له الرسول عليه الصلاة والسلام : (( لا تحزن إن الله معنا ، فما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ))
والله ظننا لا يغلبهما أحد ، ولا يقدر عليهما أحد . وفعلا هذا الذي حصل ؛ ما رأوهما عدم المانع ، فلم هناك عش كما يقولون ولا حمامة وقعت على الغار ، ولا شجرة نبتت على فم الغار ، وما كان إلا عناية الله عز وجل ؛ لأن الله معهما .
وكما في قوله ـ سبحانه ـ لموسى وهارون ، لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون : (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) (45) (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طـه 45،46) .
الله أكبر : ( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده ؟ لا يمكن ، فهذه معية خاصة مقيدة بالعين : (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) .
المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع الخلق ، لكنه فوق عرشه ولا يساميه أحد في صفاته ، ولا يدانيه أحد في صفاته ، ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك كيف يكون الله معنا وهو في السماء ؟
نقول : الله ـ عز وجل ـ لا يقاس بخلقه ، مع أن العلو والمعية لا منافاة بينهما حتى في المخلوق . فلو سألنا سائل : اين موضع القمر ؟ لقلنا : في السماء ، كما قال الله : ( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً )(نوح: 16) ، وإذا قال : أين موضع النجوم ؟ قلنا في السماء ، واللغة العربية يقول المتكلمون فيها : ما زلنا نسير والقمر معنا ، وما زلنا نسير القمر والنجم معنا ! مع ان القمر في السماء والنجم في السماء ، لكن هو معنا ، لأنه ما غاب عنا . فالله ـ تعالى ـ وهو على عرشه ـ سبحانه ـ فوق جميع الخلق .
وتقتضي هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنهجي بأنك إذا آمنت بأن الله معك ، فإنك تتقيه وتراقبه ؛ لأنه لا يخفى عليه ـ عز وجل ـ حالك مهما كنت ، لو كنت في بيت مظلم ليس فيه أحد ولا حولك أحد فإن الله تعالى معك ، لكن ليس في نفس المكان ، وإنما محيط بك ـ عز وجل ـ لا يخفى عليه شيء من أمرك . فتراقب الله ، وتخاف الله ، وتقوم بطاعته ، وتترك مناهيه . والله الموفق . )إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ... )
الآية الثالثة التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى ـ في باب المراقبة قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) ، (شَيْءٌ ) نكرة في سياق النفي في قوله : (لا يَخْفَى ) فتعم كل شيء ، فكل شيء لا يخفي على الله في الأرض ولا في السماء ، وقد فصل الله هذا في قوله تبارك وتعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59) .
قال العلماء : إذا كانت الأوراق الساقطة يعلمها ؛ فكيف بالأوراق النامية التي ينبتها ويخلقها ؛ فهو بها أعلم عز وجل .
أما قوله : ( وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ ) . (حَبَّةٍ ) : نكرة في سياق النفي المؤكد بمن . إذا يشمل كل ورقة صغيرة كانت أو كبيرة .
ولنفرض أن حبة صغيرة منغمسة في طين البحر ، فهي في خمس ظلمات:
الظلمة الأولي: ظلمة الطين المنغمسة فيه.
الثانية: ظلمة الماء في البحر.
الثالثة: ظلمة الليل.
الرابعة: ظلمة السحاب المتراكم.
الخامسة: ظلمة المطر النازل.
خمس ظلمات فوق هذه الحبة الصغيرة؛ والله عز وجل يعلمها.
وقوله: )ا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) مكتوب ، مبين، بين ، ظاهر ، معلوم عند رب العالمين عز وجل.
إذا من كان هذا سعة علمه فعلي المؤمن أن يراقب الله سبحانه وتعالي، وأن يخشاه في السر كما يخشاه في العلانية، لأن خشية الله في السر أقوي في الإخلاص، لأنه ليس عندك أحد؛ لأن خشية الله في العلانية ربما يقع في قلبك الرياء ومراءاة الناس.
فاحرص- يا أخي المسلم- على مراقبة الله- عز وجل - وأن تقوم بطاعته امتثالاً لأمره واجتنابا لنهيه، ونسأل الله العون على ذلك؛ لأن الله إذا لم يعنا، فإننا مخذولون؛ كما قال تعالي: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5) فإذا وفق العبد للهداية والاستعانة في إطار الشريعة فهذا هو الذي أنعم الله عليه.
)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (5) (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة:5/6) ، لابد أن تكون العبادة في نفس هذا الصراط المستقيم، وإلا كانت ضرراً على العبد . فهذه ثلاثة أمور ، هي منهج الذين أنعم الله عليهم، ولهذا قال )اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (:6) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6/7).
الآية الرابعة التي ذكرها المؤلف- رحمه الله تعالي- في باب المراقبة: قوله تعالي: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:14) ، وهذه الآية ختم الله بها ما ذكره من عقوبة عاد (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) (7) (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) (8) (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) (9) (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) 10) (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) (11) (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) (12)(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ)( 13) (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)( الفجر: 7-14)، فبين، عز وجل- أنه بالمرصاد لكل طاغية ، وأن كل طاغية فإن الله تعالي يقصم ظهره ويبيده ولا يبقي له باقية.
فعاد إرم ذات العماد، ذات البيوت العظيمة المبنية على العمد القوية، أعطاهم الله شديدة النبي صلي الله عليه وسلم فاستكبروا في الأرض وقالوا: من اشد منا قوة؟ ! فقال الله عز وجل : )ð أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة)(فصلت: من الآية15)، فبين الله - عز وجل- أنه هو اشد منهم قوة، واستدل لذلك بدليل عقلي، وهو أن الله هو الذي خلقهم، ولهذا قال: ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ)(فصلت: من الآية15) ؛ ولم يقل: (( أو لم يروا أن الله هو اشد منهم قوة)) قال ( الَّذِي خَلَقَهُمْ) ؛ لنه من المعلوم بالعقل علما ضروريا أن الخالق اقوي من المخلوق ، فالذي خلقهم هو اشد منهم قوة : ) وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ)(فصلت: من الآية15) ، فأصابهم الله - سبحانه وتعالي - بالقحط الشديد، وأمسكت السماء ماءها فجعلوا يستقون، أي: ينتظرون أن الله يغيثهم، فأرسل الله عليهم الريح العقيم في صباح يوم من الأيام ، أقبلت ريح عظيمة تحمل من الرمال والأتربة ما صار كأنه سحاب مركوم.
)فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )(الاحقاف: من الآية24)، حكمة من الله عز وجل، لم تأتهم الريح هكذا، وإنما جاءتهم وهم يؤملون أنها غيث ليكون وقعها اشد، شيء أقبل فظنوه ريحا تسقيهم فإذا هو ريح تدمرهم، فكون العذاب يأتي في حال يـتأمل فيها الإنسان كشف الضرر يكون أعظم وأعظم.
مثل ما لو منيت شخصاً بدراهم ثم سحبتها منه صار اشد وأعظم: )فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )(الاحقاف: من الآية24) ، لأنهم كانون يتحدون نبيهم النبي صلي الله عليه وسلم يقولون: إن كان عندك عذاب فأت به إن كنت صادقاً، فجاءتهم ) رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(24) )تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ) والعياذ باللههاجت عليهم سبع ليال وثمانية أيام، لأنها بدأت من الصباح وانتهت بالغروب، فصارت سبع ليال وثمانية أيام حسوماً متتابعة قاطعة لدابرهم تحسمهم حسماً، حتى إنها تحمل الواحد منهم إلي عنان السماء، ثم ترمي به، فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية، أي: مثل أصول النخل الخاوية ملتوين على ظهورهم- والعياذ بالله - كهيئة السجود؛ لأنهم يريدون أن يتخلصوا من هذه الريح بعد أن تحملهم وتضرب بهم الأرض، ولكن لم ينفعهم هذا.
قال الله تعالي: )فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (فصلت:16) والعياذ بالله .
أما )وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) (الفجر:9) ، فهم أيضاً عندهم عتو وطغيان وتحد لنبيهم ، حتى قالوا له: ) كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا )(هود: من الآية62) ، أي كنا نرجوك ونظنك عاقلاً، أما الآن فأنت سفيه؛ لأنه ما من رسول أرسل إلا قال له قومه: ساحر أو مجنون ، كما قال الله: )كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذريات:52) .
فانظرهم ثلاثة أيام: ) فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)(هود: من الآية65)، فلما تمت الثلاثة- والعياذ بالله- ارتجفت بهم الأرض، وصيح بهم؛ فاصبحوا كهشيم المحتظر، أي: مثل سعف النخل إذا طالت عليه المدة صار كأنه هشيم محترق من الشمس والهواء، صاروا كهشيم المحتظر وماتوا عن آخرهم.
أما فرعون - وما أدراك ما فرعون- فهو ذلك الرجل الجبار المتكبر، الذي طغي وأنكر الله- عز وجل - وقال لموسى : ما رب العالمين؟ وقال لقومه: ما لكم من إله غيرينعوذ بالله، وقال لهامان وزيره: ) ابْنِ لِي صَرْحاً )يعني: بناء عاليا ( لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ)(36) (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) يقوله تهكما-والعياذ بالله- ( وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً)(غافر: 36،37).
وكذب في قوله: وإني لأظنه كاذبا؛ لأنه يعلم أنه صادق، كما قال الله تعالي في مناظر مع موسي، قال له موسي: ) لَقَدْ عَلِمْت) يا فرعون ) مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً)(الاسراء: من الآية102)، ما أنكر ، مقال : علمتبل سكت ، والسكوت في مقام التحدي والمناظرة يدل على الانقطاع وعدم الجواب.
وقال الله تعالي عنه وعن قومه: )وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً )(النمل: من الآية14).
فهم- والعياذ بالله- فرعون وجنوده- يعلمون أن موسي صادق، لكنهم مستكبرون جاحدون. ماذا حصل لهم؟
حصل لهم- والعياذ بالله- هزائم، أعظمها الهزيمة التي حصلت للسحرة
جمع جميع السحرة في بلاده باتفاق مع موسى- عليه الصلاة والسلام- وموسى هو الذي عين الموعد أمام فرعون، مع ان موسى أمام فرعون يعتبر ضعيفاً لولا أن الله نصره وأيده.
قال لهم موسى: ) مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً)(طـه: من الآية59)، يوم الزينة يوم العيد، لأن الناس يتزينون فيه ويلبسون الزينة. وقوله: ) وَأَنْ يُحْشَرَ )يجمع ( النَّاسُ ضُحىً) لا في الليل في الخفاء .فجمع فرعون جميع من عنده من عظماء السحرة وكبرائهم،واجتمعوا بموسى- عليه الصلاة والسلام- وألقوا حبالهم وعصيهم. الحبال معروفة، والعصا معروفة، ألقوها في الأرض فصارت الأرض كلها ثعابين- حيات - تمشي، أرهبت الناس كلهم، حتى موسى أوجف في نفسه خيفةّفأيده الله وقال له: ) لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى)(68 (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ)(طـه: 68/69).
فالقي ما في يمينه وهي العصا، عصا واحدة فقط؛ فإذا هي تلقف ما يأفكون ، كل الحبال والعصي أكلتها هذه العصا، سبحان الله العظيموأنت تعجب: أين ذهبت العصا؟ ليست كبيرة حتى تأكل كل هذا، لكن الله عز وجل على كل شيء قدير، فالتهمت الحبال والعصي، وكأن السحرة أعلم الناس بالسحر بلا شك ، فعرفوا أن الذي حصل لموسى وعصاه ليس بسحر، وأنه آية من آيات الله عز وجل، فألقي السحرة ساجدين.
وانظر إلي كلمة ( ألقي) كأن هذه السجود جاء اندفاعاً بلا شعور، ما قال: سجدواألقوا ساجدين، كأنهم من شدة ما رأوا اندفعوا بدون شعور ولا اختبار؛ حتى سجدوا مؤمنين بالله ورسوله.
(قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (47) (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) فتوعدهم فرعون واتهمهم وهو الذي جاء بهم، فقال: ( إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ )(طـه: من الآية71)، سبحان الله ! علمهم السحر وأنت الذي أتيت بهم؟! سبحان الله! لكن المكابرة تجعل المرء يتكلم بلا عقل.
قال: )لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أقطع اليد اليمني والرجل اليسري. ) وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى)(طـه: من الآية71)، ما الذي قالوا له؟
)قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَات) ما يمكن أن نقدمك على ما رأينا من البينات! أنت كذاب لست برب، الرب رب موسى وهارون.
)قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ )(طـه: من الآية72) انظر إلي الإيمان إذا دخل القلوب! رخصت عليهم الدنيا كلها ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض) أي: افعل ما تريد ) إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) إذا قضيت علينا أن نفارق الدنيا (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) لأنه قد أكرهمم لكي يأتوا ويقابلوا موسى ( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)(طـه: من الآية73) ، فالإيمان إذا دخل القلب، واليقين إذا دخل القلب لا يفتنه شيء، وإلا فإن السحرة جنود فرعون، كانوا في أول النهار سحرة كفرة، وفي آخر النهار مؤمنين برره، يتحدون فرعون لما دخل في قلبهم من الإيمان، فهذه هزيمة نكراء لفرعون، لكن مع ذلك ما زال في طغيانه.
وفي النهاية جمع الناس على أنه سيقضي على موسى فحرج موسى في قومه هرباً منه متجهاً بأمر الله إلي البحر الأحمر ويسمي (( بحر القلزم)) متجهاً إليه مشرقاً، فتكون مصر خلفه غرباً، فلما وصل إلي البحر وإذا فرعون بجنوده العظيمة وجحافله القوية خلفهم والبحر أمامهم، )قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) البحر أمامنا وفرعون وجنوده خلفنا، اين نفر؟ (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62) ، اللهم صل وسلم عليه، هكذا يقين الرسل- عليهم الصلاة والسلام- في المقامات الحرجة الصعبة، تجد عندهم من اليقين ما يجعل الأمر العسير- بل الذي يظن أنه متعذر- أمرا يسيرا سهلا (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) فلما فوض الأمر إلي الله - سبحانه وتعالي- أوحى الله إليه: أن اضرب بعصاك البحر الأحمر. فضرب البحر بعصاة ضربة واحدة فانفلق البحر اثني عشر طريقاً؛ لأن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة قبيلة، اثني عشر سبطاً، والسبط بمعني القبيلة عند العرب.
فضربهن وبلحظة يبس ) فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى)(طـه: من الآية77)، فعبر موسى بقومه في أمن وأمان؛ الماء بين هذه الطرق مثل الجبال كأنه جبل واقف، الماء جوهر سيال، لكنه بأمر الله صار واقفا كالجبال.
حتى إن بعض العلماء قال: إن الله- سبحانه وتعالي - جعل في كل طود من هذه المياه، جعل فيها فرجا حتى ينظر بنو إسرائيل بعضهم إلي بعض؛ لئلا يظنوا أن أصحابهم قد غرقوا وهلكوا، من أجل أن يطمئنوا.
فلما انتهي موسى وقومه خارجين دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا أمر الله البحر أن يعود على حاله فانطبق عليهم، وكان بنو إسرائيل من شدة خوفهم من فرعون وقع في نفوسهم أن فرعون لم يغرق، فأظهر الله جسد فرعون على سطح الماء، قال: )فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً )(يونس: من الآية92)، حتى يشاهدوه بأعينهم، واطمانوا أن الرجل قد هلك.
فتأمل هؤلاء الأمم الثلاث الذين هم في غاية الطغيان، كيف أخذهم الله- عز وجل- وكان لهم بالمرصاد، وكيف أهلكوا بمثل ما يفتخرون به.
فقوم عاد قالوا: من اشد منا قوة؛ فأهلكوا بالريح، وهي أصلاً لطيفة وسهلة.
وقوم صالح: أهلكوا بالرجفة والصيحة.
وفرعون أهلك بالماء والغرق، وكان يفتخر بالماء، يقول لقومه: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (51)(أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) يعني موسى( وَلا يَكَادُ يُبِينُ)(52) (فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) (الزخرف:51-53) ،فأغرقه الله تعالي بالماء.
فهذه جملة ما تشير إليه هذه الآية الكريمة: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:14) .
الآية الخامسة: قوله عز وجل: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19)، يعلم يعني الله عز وجل (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ) وخائنة الأعين خيانتها. فالخائنة هنا مصدر كالعاقبة والعافية وما أشبهها.
ويجوز أن تكون اسم فاعل على أنها من خان يخون؛ فيكون من باب إضافة الصفة إلي موصوفها.
على كل حال هذه مسألة نحوية ما تهم هنا، المهم أن للأعين خيانة، وذلك أن الإنسان ينظر إلي الشيء ولا تظن أنه ينظر إليه نظراً محرماً، ولكن الله عز وجل يعلم أنه ينظر نظراً محرماً.
كذلك ينظر إلي الشخص نظر كراهية، والشخص المنظور لا يدري أن هذا نظر كراهية، ولكن الله تعالي يعلم أنه ينظر نظر كراهية، كذلك ينظر الشخص إلي شيء محرم ولا يدري الإنسان الذي يري هذا الناظر أنه ينظر إلي الشيء نظر إنكار رضا، ولكن الله سبحانه هو يعلم ذلك- فهو- سبحانه وتعالي_ يعلم خائنة الأعين.
ويعلم أيضاً ما تخفي الصدور أي: القلوب؛ لأن القلوب في الصدور، والقلوب هي التي يكون بها الفهم، ويكون بها التدبير، كما قال الله: )أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)(الحج: من الآية46) ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46).
سبحان الله! كأن هذه الآية تنزل على حال الناس اليوم، بل حال الناس في القديم. يعني: هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟
هذه مسألة أشكلت على كثير من النظار الذين ينظرون إلي الأمور نظرة مادية لا يرجعون فيها إلي قول الله تعالي وقول رسوله صلي الله عليه وسلم .
وإلا فالحقيقة أن الأمر فيها واضح أن العقل في القلب، وأن القلب في الصدر )أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) وقال( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46) ولم يقل القلوب التي في الأدمغة قال (الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، فالأمر فيه واضح جداً أن العقل يكون في القلب، ويؤيد هذا قول النبي صلي الله عليه وسلم . : (( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب))(1).
فما بالك بأمر شهد به كتاب الله، والله تعالي هو الخالق العالم بكل شيء، وشهدت به سنة الرسول صلي الله عليه وسلم !
إن الواجب علينا إزاء ذلك أن نطرح كل قول يخالف كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وأن نجعله تحت أقدامنا ، وأن لا نرفع به رأساً.
إذا: القلب هو محل العقل ولاشك، ولكن الدماغ محل التصور ، ثم إذا تصورها وجهزها بعث بها إلي القلب ، ثم القلب يأمر أو ينهي النبي صلي الله عليه وسلم فكأن الدماغ(سكرتير) يجهز الأشياء ثم يدفعها إلي القلب، ثم القلب يوجه، يأمر أو ينهي ، وهذا ليس بغريب )وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات:21) ، وفي هذا الجسم أشياء غريبة تحار فيها العقول، فليس بغريب أن الله- سبحانه وتعالي- يجعل التصور في الرأس ، فيتصور الدماغ وينظم الأشياء ، حتى إذا لم يبق إلا الأوامر أرسلها إلي القلب، ثم القلب يحرك، يأمر أو ينهي.
لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال: (0 إذا صلحت صلح الجسد)) فلولا أن الأمر للقلب ما كان إذا صلح صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد كله.
إذاً: فالقلوب هي محل العقل والتدبير للشخص، ولكن لا شك أن لها اتصالا بالدماغ، ولهذا إذا اختل الدماغ فسد التفكير وفسد العقل! فهذا مرتبط بهذا، لكن العقل المدبر في القلب، والقلب في الصدر ) وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46)
.



 توقيع : ريكاردو كاكا

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المراقبة


(عرض الكل الاعضاء اللذين قامو بقراءة الموضوع : 0
لا توجد هنالك أسماء لعرضها.
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مراقبـة الله تعالـى قناص الجنوب - القسـم الاسلامـي 5 11-02-2022 11:07 PM
الاستعداد لشهر رمضان المبارك شروق الامل - القسـم الاسلامـي 4 07-02-2012 07:16 PM


الساعة الآن

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
استضافة ودعم وتطوير وحماية من استضافة تعاون