قد خلوتُ بنفسي في ليلةٍ مشبوبةِ القتام،
والأرض ساكنةٌ كأنّها تلفظ أنفاسها الأخيرة،
والسماء حبلى بالغمام،
تئنّ تحت وطأة أسرارٍ لا يُفشى بها.
جلستُ في ركنٍ مقفرٍ من قلبي،
أستحضر أطيافًا غابرة،
وأتوسّل لذاتي أن تبوح بما يعتريني،
لكنّها تأبى إلّا أن تكسو نفسها بعباءة الكتمان.
أيا ليلي،
ما أطولك حين تصير رفيقَ حائرٍ،
وما أبغضك
حين تُطيل المكث على نافذة الروح،
ترقبها وهي تتلوّى بين جنبيها،
كطائرٍ كُسرت جناحاه،
يروم التحليق وهو يعلم أنّ السماء دونه محجوبة.
قد كان لي قلبٌ إذا همسَ له الحبّ،
انتشى كما ينتشي العطِش بقطرة الغمام،
ولكنّه اليوم قد صار كالصخرة الجرداء،
لا يسيل منه ماء،
ولا يزهر في جنباته ربيع.
أوَليس العشقُ قيدًا؟
أوَليس الحنين لهيبًا يكتوي به العاقل،
ويتيه فيه السقيم؟
فكيف بي وأنا أبحث عن حبٍّ
لم يطرق بابي يومًا إلّا في أحلامي؟
أدنو من الأطياف كمن يلتمس دفء الرماد،
فإذا بي أراها سرابًا،
تُطيل نظراتها نحوي،
لكنها ما أن أمدّ يدي لها حتى تذوب،
كأنها تهزأ من شوقي الذي يعصف بي
ويذروني كذرات ريح في مهبّ النسيان.
أيا دنياي،
كم من مرةٍ واعدتِني بالنور،
فجعلتِني أركض في دروبك الملتوية،
كطفلٍ يخدعُه السراب،
حتى إذا ما دنوتُ من وعدك،
أدرتِ لي ظهرك وتركتني للظلام.
وأيا نفسي،
كم من مرةٍ عصيتِ يقيني،
وتنكّبتِ عن سبيل الراحة،
فأويت إلى وهادِ الذكريات،
تحفرين في أعماقي أخاديد الحزن،
وتسقين أيامي بوابلٍ من اللوم والأسى.
ما أنا إلّا أنثى تسكنها أعاصيرُ لا تهدأ،
تجول بين أروقة القلب،
تبحث عن سكينةٍ لم تعرفها يومًا،
وعن سلامٍ يأبى أن يزورها.
لكنني رغم كلّ هذا،
أحمل في صدري بذرَ الأمل،
علّني أُحيي به أرضًا بورًا،
وأسقي به حلمًا قديمًا لم يزل يقتات على الصبر.
ها أنا ذا أرفع يدي إلى السماء،
أُناجي ربي أن يفتح لي بابًا لم يُدنس،
وأن يمنحني قبسًا أستنير به في عتمة الدهر.
فهل يُلبّي دعائي،
أم يكتب لي أن أبقى معلقةً على أهداب الرجاء،
كما تُترك الفراشة أسيرة بين ظلال الغيب وسناه؟
ميسـاء الحياه
—————————
وليده من رحم الامتنان
————————————
صلوا و سلموا على سيد الانام