يرينا الله سبحانه بعضًا من مصارع الظالمين لكي نعتبر ونعلم أنه سبحانه وحده هو الملك ولا ملك غيره وانه القادر فلا قادر سواه .
فقص الله عز وجل علينا في القرآن الكريم بعضا من صور مصارع الظالمين المتكبرين لنؤمن علم اليقين بان الله إذا أراد شيئا فيقول له كن فيكون
فقص علينا نهاية من قال للناس"
يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي" ومن تجرأ على قول " فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"
فأخذه الله سبحانه وأهلكه وجنوده "
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ "
وقص الله علينا عاقبة من تجبر على الناس بماله وظن أنه قادر بهذا المال على أن يصنع كل شيئ فأهلكه الله وخسف به الأرض بعدما بلغ أوج انتفاخه وعظمته "
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ " فجاءه الأمر الإلهي الذي لا يرد " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ " .
وكان مصرع فرعون آية وعلامة على تنكيل الله بالعصاة المجرمين الظالمين
" ففي صحيح الإمام مسلم أنه في ليلة غزوة بدر يمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على أرض المعركة ويشير بإشارات على الأرض للصحابة رضوان الله عليهم ويقول: " هذا مصرع فلان" , فيقول أنس: ويضع يده على الأرض هاهنا هاهنا. فما ماطَ أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم " , فرأى المسلمون أكابر مجرمي مكة صرعى على الأرض ليحمدوا الله ويكبروه وليزدادوا إيمانا مع إيمانهم .
"
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الأنعام : 45].
أصله ونسبه عليه السلام : سيدنا هود عليه السلام هو عربيٌّ في أصله، وقيل إنه هود بن عبد الله بن رباح بــن الجـلــود
بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك. وقد جاء في صحيحِ ابن حبان عن أبي ذرّ في حديث طــويل في ذكر
الأنبياء والمرسلين قال :"وأربعةٌ من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيّك محمد".
قومه : وكان من قبيلة يقال لهم عاد . وكانوا عرباً من اليمن يسكنون الأحقاف وهي جبال الــرمل وكــانت باليمن بين عــمان
وحضرموت، بــأرض مطـلة عـلى البحر يقال لـها الشحر، واسم واديهم مغيث . . قال اللهُ تبارك و تعالى في ســورة الأحــــقـاف :
{واذكر أخــا عاد إذ أنذر قــومَه بالأحقافِ وقــد خـلت النـذر مــــن بين يــديه ومـــن خلفه ألاَّ تعبدوا إلا الله إني أخـــاف عليكــم عـذابَ يـومٍ عــظيـم}
والمقصود أن عاداً هي عاد الأولى ، وقيل كــانوا ثلاث عشرة قبيلة ،وكــانوا كثيراً ما يـسكنون الخيام ذوات الأعـمـدة الضخـام
كــما قـــال تعـــالى: {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ }
وقــــد أعــطى اللهُ تبـــارك وتـعالى قـبيلة عـاد نِعمًا كثيرة وافرة وخيرات جليلة، فــكانت بــلادهم ذات مياة وفـيرة فــزرعوا الأراضي
وأنشــأوا البســـاتين وأشـــادوا القصــور الشـــامخة العـــالية، إضافة لما منحهم اللهُ تعالى فـوق ذلك من بَسْطة في أجسادهم
وقــوة في أبــدانهم وعــظامهم فـــكانوا طـــوالاً في الأجســام والقـــوام، قـيل كــان أطـــولُهم مــــائة ذراع وأقصرهم ستين ذراًعا،
قــال تعـــالى :{واذكروا إذ جعلكم خلفاءَ من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطه}
لكنهم كانوا غير شاكرين لله على نعمه،فاتخذوا من دونه آلهةً وعبدوا الأصنام،فكانوا أول الأمم الذين عبدوها بعد الطوفان العظيم،
فبـــعث اللهُ تعـالى إليهم نبيَّه هــودًا وكان أحسنهـم خُـلُقًا وأفضلهم موضعًا وأوسطهم نسبًا،فدعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده
وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع،وأن يُوحّدوا الله الذي خلقهم ولا يجعـلوا معه إلــهًا غيـره، وأن ينتهوا ويكفـوا عــن الظـلم
والبغي والفساد بين الناس، ثــم بيَّن لـــهم نِعم الله الــجليلة عــليهم إذ زادهم في الخلق بسـطة فـزاد في أجسادهم وقوامهم
فأمرهم أن يذكروا هذه النعم وأن يشكروا اللهَ تعالى عليها بأن يعبدوه وحدَه ويخلصوا له ويتركوا الشرك وعبادة الأصنام كي يفحلوا.
ولكنهم عاندوا وتكبروا وكذبوا نبيَّ الله هوادا وءامن به واتبعه أناس قليلون كانوا يكتمون إيمانهم خــوفًا مــن بـطش وظـلم قـومـهم
قال تعالى{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوة أولم يروا أن اللهَ الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة وكانوا بآياتنا يجحدون}
وقال قوم هود له فيما قالوا:{يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}
يقولـــون مـــا جئتنـا بـــخارق يشهد لــك بـصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك؛بلا دليل أقمته
ولا بــرهان نصبته، ومـــا نظن إلا أنـك مجنون فيمــا تزعمه . . وقد أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضبت عليك فـــأصابتك في عقلـك
فلما بئس منهم هودا أعلمهم أنهم استحقوا الرّجس والغضب من الله لإصرارهم على كفرهم وعبادة الأصنام، ولينتظروا عذاب
الله الشديد الــواقع عليهم لا مـحالة ..قال تعالى: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِي، قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ، فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ
فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
هلاك قوم عاد: كانت بداية العذاب، أن الله منع عنهم المطر حتى جهدوا، وكان كلما نزل بهم الجَهد ذكَّرهم هـود بدعـوة الله
وأنه لا ينجيهم من البلاء والعذاب إلا الإيمان والاستماع لنصائحه بالقبول، فكان ذلك يزيدهم عتوًّا وعنادًا فازداد العـذاب عليهم
وصاروا في قَحْط وجفاف شديدين فـطلبوا السُقيا والمـطر و أوفدوا وفدهم إلى مكة يستسقون لهم، فأنشأ الله سحابًا أسـودا
وساقه إلى عاد فخرجت عليهم من واد فلما رأوها استبشروا أنـه سحــاب مطـر وسُقيا رحمة فإذا هو سحاب عـذاب ونــقمـة
قال تعالى :{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ /تُدَمّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبّــهَا فَـــأَصْبَحُوا لا يُـرَى إِلاَّ مَــسَاكِنُهُمْ كَــذَلِكَ نَجْزِي الْقَــوْمَ الْمُجْــرِمِينَ}(سورة الأحقاف)، أي أن الله أرســل عـليهم ريحًا شــديـدةً عـــاتــية
قال الله تعالى في سورة الحاقة :{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَـا
صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ (8)}.
كانت ريحًا باردة شديدة الهبوب سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتالية فلم تبق منهم أحــداً، بــل تتبعتهم حتـى
كانت تدخل عليهم كــــهوف الجبـــال والغيـران فتخـــرجهم وتــهلكهم، وتــدمـر عــليهم البيـوت المـحكمة والقــصور الـمشيدة،
فكما منوا بشدتهم وبقوتهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة، وأقدر عليهم،وهو الريح العقيم.
وقد شبههم الله بأعجاز النخل التي لا رؤوس لها، وذلك لأن هذه الريح كانت تجيء إلى أحـدهم فـتحمله فـتـرفعه في الهـــواء
ثم تنكسه على أُمّ رأسه فتشدخه فيبقى جثة هامدة بلا رأس، قال الله تبارك وتعالى :{وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهِمُ الريحَ العقيم}
أي التي لا تنتج خيرًا،وقال تعالى:{ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم}الذاريات أي كالشىء البالي الفاني الذي لاينتفع به
وقال تعالى :{إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَـحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّـنقَعِرٍ * فَـكَيْفَ كَــانَ عَــذَابِي وَنُذُرِ }القمر
عـــن ابن عمر قـــال: قـــال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: (ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم،فمرت
بأهــل البــادية فحملتـهم ومــواشيهم وأمــوالهم بين السـماء والأرض، فـلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد، الريح وما فيها {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة).
و ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال:عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح
قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"
ولقد نجى الله هودًا عليه السلام ومن معه من المؤمنين قال تعالى :{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا
وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (72)} سورة الأعراف، وقال تعالى :{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } سورة هود
وقد حجّ بعد ذلك سيدنا هود عليه السلام كما روى ذلك أبو يعلى في مسنده، أما موضع قبره ففيه خلاف،قيل بحضرموت في اليمن،
وقيل بالحِجر من مكة، وذكر ءاخرون أنّه بدمشق، وبلاد عاد اليوم رمال قاحلة لا أنيس فيها ولا ديار، فسبحان الملك العزيز الجبار.
نسبه عليه السلام :صالح بن عبيد بن أسف بن ماشخ بن عبيد بن حاذر -أو صالح بن جابر بن ثمود بن عامر بن إرم بن سام بن نـــوح
مساكن ثمود : في منطقة الحِجْر التي تقع بين الحجاز والشام، والتي تسمى الآن (بــمدائن صالح) كــانت تــعيش قــبيلة
مشهورة تسمى ثمود جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها، وكانت لـهم حضــارة عــمرانية واضـــحة المــعالــم،
فقد نحتوا الجبال واتخذوها بيوتًا، يسكنون فيها في الشتاء؛ لتحميهم من الأمطار والعواصف التي تأتي إليهم مــن حين لآخر
واتخذوا من السهول قصورًا يقيمون فيها في الصيف.
حال القوم : لــــقد أنعم الله تعـــالى عليهم بنعــم كثيرة لا تـــعد ولا تــحصى، فأعطاهم الأرض الخصبة، والماء العذب الـغزير،
والحدائق والنخيل، والزروع والثمار، ولكنهم قابلوا النعمة بالجحود والنكران، فكفروا بالله سبحــانه ولـــم يشكروه عــلى نـعمـه
وعبدوا الأصنام، وجعلوها شريكة لله، وقدَّموا إليها القرابين، وذبحوا لها الذبائح وتضرعوا لها، وأخذوا يدعونها،فأراد الله هدايتهم،
فـــأرسل إليهم نبيًّا منــهم مبشرا ومنذرا ، هو صـــالح -عليه السلام- وكـــان رجلاً كــريمًا تقيًّا محبــوبًا لــديهم .. فقـال لهم :
{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُه}دعاهم إلى الله بمثل دعــوة الرسل، وأمرهم بالتقوى، ونــــهاهم عــن عبــادة الأوثـــان،
معجزة صالح : ورغم نصاعة دعـــوة صـــالح عليه الســـلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته،
واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم .. وشــاء الله تعالى أن يستجيب لطلبهم. فـقال صـالح:
{وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ }هود .والآية هي المعجزة، ويقـــال
إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب الميـاه
الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تـدر لبـنــا
يـكفي لــيشرب الناس جـميعــا .. كانت هذه الناقة مــعجزة،وصفها الله بقوله:
(نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه بمعنى أنها لـيسـت
ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله. وأصدر الله أمره إلى صالح أن يـأمر قـومه بعـدم المســاس بالنـاقـة أو إيذائـها أو قـتـلـهـا،
أمـــرهم أن يتـركوها تـــأكل في أرض الله، وحـــذرهم أنــهم إذا مــدوا أيديهم عليها بالأذى فــسوف يـــأخذهم عـــذاب قــريب.
وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر .. وذلك لأن الكـــفار عــندما يطلبون من
نبيهم آية،ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر .. لكن الله كان يخذلهــــم
بتأييد أنبياءه بمعجـــزات مـــن عـنده .. وبقي صـــالح عليه الصــلاة والســـلام يــدعوهم ويحـذرهم مــن المساس بالنــاقة.
تآمر الملأ على الناقة:وتحولت كراهيتهم لسيدنا صالح إلى الناقة المباركة، اجتمع ملؤهم واتفق رأيـهم عــلى أن يـعـقروا
هــذه الناقة لـيستريحوا منهـــا، ويتـوفـر عـليهم مــاؤهم، وكـان عـدد الـذين أجمعوا على قتل الناقة تسعة أفــراد، قال تعالى:
{وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}[النمل: 48] ثــم اتفقوا مــع بـــاقي القـوم عـلى تنفيذ مـــؤامرتهم،
وفي الصباح،تجمع قوم صالح في مكان فسيح ينتظرون مرور الناقة لتنفيذ مؤامرتهم، وبعد لحظات مرت الناقة العظيمة فتقدم
أحدهم منها، وضربها بسهم حاد أصابها في ساقها،فـوقعت عــلى الأرض، فضربها أشقاهم حتى ماتت .. ثم أرادوا قتل صالح ..
هلاك ثمود: علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟ قالوا: قتلناها
فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟ وقال الله تعالى:
{ وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَـــأوِيَةً بِــمَا ظَلَــمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
وذلك أن الله تعــالى أرســل على أولئك النفر التسعة الذين قصدوا قتل صــالح حجـــارة رضختهم، سلفـاً وتعجيلاً قبل قومهم .
قال صالح لقومه:
{تمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}بعدها تركهم ومضى .. ووعـده الله بــهلاكهم بـعد ثـلاثة أيـــام
وأصبح قـــوم ثمــود في اليــوم الأول ، ووجــوههم مـصفرة ، فــلمـا أمــسوا نـــادوا بأجمعهم: ألا قــد مــضى يـوم مـن الأجــل.
ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل، ووجوههم! محمرة، فـــلما أمــسـوا نـــادوا ألا قــد مضى يومـــان مـــن الأجــل.
ثــم أصبـحوا في اليوم الثالث مـــن أيام الــمتاع ، ووجــــوههم مُـسودة، فــلمــا أمســوا نـــــــادوا ألا قـــــد مـــــــضى الأجـل.
فلما كان صبيحة اليوم الرابع، تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينظرون ماذا يحل بهم مــــن العــذاب، والنكال، والنـقمة،لا يـــدرون كيف
يفعل بهم، ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فانشقت السماء عن
صيحة جبارة واحدة .. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي .. هي صرخة واحدة..
لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة .. ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس،
وسكنت الحــركـــات، وخشـعت الأصــوات، وحـقت الحقــائق، فــأصبحوا في دارهم جاثمين جثثاً لا أرواح فيها، ولا حراك بها.
وقوله تعالى:
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}هو اخبار عن صالح عليه السلام
أنه خاطب قومه بعد هلاكهم، قائلاً لهم:
{يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ}أي: جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني،
وحرصت على ذلـك بــقولي، وفــعلي، ونيتي ..
{وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} أي: لــم تــكن ســجاياكم تـقبل الــحق، ولا تــريده،
فــلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه مــن العذاب الأليم، الـمستمر بكم، المتـصل إلى الأبــد، وليس لي فيكـم حيلة، ولا لي بــالدفع
عــنكم يدان، والـــذي وجب عليّ من أداء الرسالة، والنــصح لـــكم، قـــد فعلته وبـــذلته لـــكم، ولـــكن الله يـــفعل مـــا يـــريــد.
لــــوط عليه السلام : هــــو لـــــوط بن هاران بن تــــــارح ،، ويعتبر عـــليه الســـلام من الرســـل مـــــن غير أولي العـــــزم
عـــاش لــوط ( عليه السلام ) في نفس زمن عــــمه إبراهيم عليه الســـلام مُرسلاً إلى بعض الأقــوام المــجاورة لإبـــراهيـم
قــــــــال تــــعالى:
{فَـــــآمَنَ لَـــهُ لُــــوطٌ وَقَـــــــالَ إِنِّي مُــــــهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }العنكبوت26.
فـــــــــاستقر به المـقــام فـي الخــليل مــع عمه، ثم نــــــزح لـــــــوط إلى مــــدينة سدوم في نـطاق غـــور ( الأردن اليـــوم )
و اســــتقر فيــها ليفـــاجأ بتــردي أخــلاق أهــلــهــا ونيـاتــهــم الســيئة، وأنـــهم مـــن أفـــجر خــلق الله عــلى وجـــه الـأرض
حــــال قــوم لـــوط : كــانوا قــوما ظالمين يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق،ويخـونون الـرفيـــق
ويتواصون بالإثـم، ولا يتنـــاهون عــن مُنـكر، و قـــد زادوا في سجِّـل جـرائمهم جــريمة لــم يسبقهم بها أحــد مــــن العـالميــن
كانوا يرتكبون جريمة الشذوذ الجنسي وهي إتيان الرجال شهوة من دون النساء، وصـار الطهر عندهم جريمة تستوجب الطـرد
قال تعالى:
{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَــالَ شَهْــوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَــلْ أَنتُمْ قَـــوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } الأعراف كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في نـــــاديهم..
وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد وكانوا يقولون للوط:استضف أنت النساء ودع لنا الرجال،
واستطارت شهرتهم الوبيلة، فنصحهم لوط بأن يقلعوا عن هذا الشذوذ وأنذرهم بطش الله وعقابه،فكذبوه وأنكروا نبوته ورسالته،
وتـمـــادوا في شـــذوذهم وغيهم وجـاهدهم لـــوط جــهادا عظــيمـا، وأقام عليهم حجته، ومرت الشهـور والسـنوات،وهو مــاضٍ
في دعـوته ولم يؤمن به غير بعض من آل بيته،أما امرأته لم تؤمن فلم يجد لـــوط عليه السلام أمـــام هــذا الرفض التام،و إظــهار
العداوة الواضحة له إلا أن دعا ربه:
{ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } وسأله أن ينصره على هؤلاء القوم المفسدين ويوقع بهم العذاب.
قــــدوم مـــلائكة العــذاب: اِستـجــاب الله لـــــدعاء رســوله لــوط عليه السلام، وأرسل ملائكته الى أهل هذا البلد الظالم،
لــــيذيقوهم العــذاب الـذي يسـتحـقـونـه والقـــرآن الكـــريم يُــخبرنا أن المـلائكة مـــرُّوا أولا بـــإبــراهيم عليه الصلاة والســــلام،
وحـــــــــاول وهــــو لا يــــعرفهم أن يـضيّفهم ويـُقــــدم إليهم الطـعام، فـــــلـــما رأى أيـــديهــم لا تـمتد إلــيه أنــكر عــليهم ذلـك،
وسألهم عن حقيقة أمرهم، فأخبروه بالحقيقة وأنهم أتوا ليوقعوا العذاب الالهي على قوم لوط.واتجه الملائكة إلى لوط مباشرة،
أي لما تركت الملائكة ابراهيم كما يقول المفسرون وهم
جبريل وميكائيل واسرافيل، أقبلوا حتى وصلوا الى أرض سدوم،في صورة شبان
حســــــان، إختبارا من المولى عز وجل لــقوم لــوط و إقــامةَ للحجة عـليهم، وطلبوا من لوط عليه السلام أن يستضيفهم، فقبل
على مضض خشيةَ عليهم من قومه ، لاعتـقاده أنهم بشر وليسوا ملائكة، يقول تعالى:
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ
ذَرْعاً وَ قَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيب}
وصل لــــوط عليه الســلام وضيــوفه إلى البيت، ولــم يعــلم بقدومهم ســوى امـرأته وابنتيه، فلـما رأت زوجتـه هــــــؤلاء الضيـوف،
اعتبرتهم صيدا ثمينا، وأرادت أن تقدمهم لقومها ،لتكون ذات منزلة عندهم بهذه الهدية، فدلتهم على الضيوف,أي أنـها لــم تكتف
بكفرها وخيانة دين الله الذي يدعو اليه زوجها، وإنّما كانت تدل على لـوط، وتغري بــه المجرمين وتفشي ســره وتـعاديه في دينه،
ولذلك لم يغن عنها لوط على الرغم مما بينها وبينه من صلة الزواج،وقـال الله عنها:
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) }التحريم
عذاب قوم لوط :بعد أن تمت الخيانة عن طريق الزوجة الكافرة انتشر الخبر بسرعة البرق وعلم أهل القرية المجرمون بالضيوف
فجـــاؤوا مسرعين فـرأى لوط عليه السلام ما يشبه الحمى في أجساد القوم المندفعين الى داره، يهددونه في ضيوفه و كرامته،
وحـاول جـاهدا أن يوقظ فيهم الفطرة السليمة، وبدأ بوعظهم:
{ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أي أمامكم النساء -زوجاتكم- هن أطهر
ويلبين الفطرة السوية،كما أن الله قد هيّئهن لهذا الأمر.
{فَاتَّقُواْ اللّهَ}يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب
الفطرة،اتقوا الله وتذكروا أنه يسمع ويرى،يغضب ويعاقب
{وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي}هي محاولة يائسة لِلَمْس نخوتهم وتقاليدهم.
و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.
{ألَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ}أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.
إلا أن كلمات لوط عليه السلام لم تلمس : الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجـامد الميـت، ولا العقل المريض ظـلت الفـورة
الشـاذة عـلى انـدفـاعـها. وقتها شعر لوط علبه السلام بمدى ضعفه وقلة حيلته لعدم قدرته على صد هؤلاء المجرمين،فهو غريب
بينهم،نازح إليهم مـن بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكــور يدافعون عنه قــال تعالى على لسان لوط :
{قَــــالَ لَــوْ أَنَّ لِي بِـكُمْ
قُــوَّةً أَوْ آوِي اِلَى رُكْــنٍ شَدِيـــدٍ..}قــال لـــوط عليه السلام هـــذه الكـلمـــــات وهـو يــوجه كـلامه الى الفتيـة الذيـن استضــافهم وهـو
لا يـزال لا يعـرف أنهم ملائكة،
عندها تحـرك ضيوفه ونهضوا فجأة، أفهموه أنهم ملائكة الرحمن و لـن يصـل إليه قومه، قـــال تــعالى:
{قَالُواْ يَا لُوطُ اِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ اِلَيْكَ}وهكذا كشف الضيوف عن حقيقتهم،وأخبروا لوطا عليه السلام أن الله أرسلهم ليــهلكـــــوا
هــــؤلاء الظــالمــين،ثم طلبوا منه أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج
{فَأَسْــرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّـيْلِ }وأنــهم سيسمعون أصــواتـــا
مــروعة تــزلزل الجبـال
{وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ اِلاَّ امْرَأَتَكَ}أي لا ينظر أحــد مـنكم وراءه كــي لا يــصيبه مـــا يصيب القــوم ثم أردفـــــوا
تعقيبـا عـلى حــال زوجتــه
{اِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}أفــهموه أن امــرأته كــانت مــن الغــابرين،امــرأته كافرة مثلهم وستلتفت خلفها
فيصيبهــا مــا أصــابهــــــم. وبدأت نذر العذاب تظهر بينما القوم يراودون لوطاً عليه السلام عن ضيفه:
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا
أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ
}فما هي إلا لحظات حتى أصيب القـوم بالعمى، وراحــوا يتحسســون الحيطــان ليهتدوا إلى الطــريق،
ومع ذلك لم يعتبروا بما حدث لهم،
فلما حان وقت العذاب الأكبر، أمر الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام فاقتلع بطرف جناحه
مـدنهم السبع مـن قــرارها البعيد ورفعهـــا إلى عنـــان الســماء حتى سـمعت المـــلائكة أصــوات ديـكتـهم ونباح كـلابهم،قلّب المدن
وهوى بها في الأرض وأثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم،حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم،
قــال سبحانه عن ذلك:{
فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ* مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }وجعل الله مكانها بحرة منتنة لاينتفع بمائها ولابما حولها من الأراضي المحيطة بها،فصارت عبرة لمن اعتبر وآية على قدرة الله وعذابه
وكما قال تعالى:{
وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون }{وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}
وفاة لوط(عليه السلام): لبث لوط عليه السلام بين أهل سدوم حوالي ثلاثين عاماً، يدعوهم إلى عبادة الله،ويذكر المؤرخون
أنه عليه السلام لما أمره الله بترك سدوم. توجه إلى صوعر. يحث نجاه الله برحمته، فضل يدعو إليه ويتعبد له إلى أن وافاه الأجل.
وظلت قصته مع قومه عظة وعبرة لمن {
خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى}. لقد جمع الله عز وجل على من يفعل تلك الفعلة
المشينة أنواعا من الحسرات والعقوبات في الدنيا والآخرة، وأكدت الشريعة الاسلامية أن عقوبة الفاعل والمفعول به هي القتل،
قال : “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به” ثم يأتي التحذير باللعن منه بقوله:“لعن الله من عمل عمل
قوم لوط،لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط” ولم يجئ عنه صلى الله عليه وسلم لعنه الزاني لثلاث مرات في حديث واحد وأكد لعنة الله للشاذ ثلاث مرات.
نسبه عليه السلام: هو شعيب ابن ميكيل بن يشجن ذكــره ابن إسـحاق .. ويقال: شعيب بن يشخر بـن لاوي بن يــعقوب.
و كان شعيب عليه السلام من أهل مدين قوماً عرباً يسكنون مدينتهم مدين، و هي قريبة من أرض مَعَان من أطراف الشـــام،
قريباً من بحيرة قوم لوط وكانوا بعدهم بمدة قريبة، ومدين مدينة عرفت بالقبيلة وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل.
حال القوم:كان أهل مدين كفاراً، يقطعون السبيل ويخيفون المارة،ويعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.
وقال تعالى
{كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ}
وكانوا من أســوأ النــاس مـعـامـلـة، يبخسون المكيـــال والــميزان، ويــــطففون فيهمــا، يــــــــأخذون بالزائد ويـــدفعون بالناقص.
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو رسول الله شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي
هذه الأفاعيل القبيحة، من بخس الناس أشيائهم واخافتهم لهم في سبلهم وطــرقـاتهم .. فـــآمن بــه بعضهم وكــــفر أكثـرهـم،
كما قال تعالى{
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} وكان يأمرهم بالعدل وينهاهم
عن الظلم ويذكرهم بنعمة الله تعالى عليهم في تكثيرهم بعد القلة، ويحذرهم نقمة الله بهم إن خالفوا ما أرشدهم إليه ودلهم
عليه،أما جوابهم فكان
{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}
يقولون هذا على سبيل الاستهزاء والتنقص والتهكم: أصلاتك هذه التي تصليها هي الآمرة لك بأن تحجر علينا فلا نعبد إلا إلهك
ونترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون؟ أو أن لا نتعامل إلاّ على الوجه الذي ترتضيه أنت ونترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها؟
قال تعالى {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} هذا أمر تهديد شديد ووعيد أكيد بأنهم إذا استمروا على طريقتهم ومنهجهم وشاكلتهم، فسوف يعلمون من تكون له عاقبة الدار، ومن يحل
عليه الهلاك والبوار. ورغم ذلك استمروا في عنادهم وطغيانهم وبعد أن يئس شعيب منهم استنصر ربه عليهم في تعجيل
ما يستحقونه إليهم فقال:{
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}
هلاك أهل مدين : قــــد جــــمع الله عـــليهم أنـــواعاً مــــن العــقوبــــات وصنوفـــاً مـــن المـثـلات، وأشــــكالاً مــــن البليات،
سلط الله عليهم
رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات،وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر
أرجائها والجهات. ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها، ويوافق طباقها، ففي سياق قصة الأعراف أرجفوا
نبي الله وأصحابه، وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم، فقال تعالى:{
فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} فقابل الأرجــفاف
بالرجفة والإخافة بالخيفة .. فرجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالاً شديداً أزهقت أرواحهم مـن أجسـادها، وصيرت حيوان أرضـــــهم
كجمادها، وأصبحت جثثهم جاثية، لا أرواح فيها، ولا حركات بها ولا حواس لها.
وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم
الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكــم
والاستهزاء والتنقص {
:أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كــالزجر عــن تعاطي هــذا الكــلام القبيح الــذي واجهوا به الرسول الكريم الأمين الفصيح، فجاءتهم صيحة أسكتتهم .
وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة، وكان ذلك إجابة لما طلبوا، وتقريباً إلى ما إليه رغبوا. فإنهم قـــالــــوا:
{
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِـــــنْ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَــا أَنْتَ إِلا بَــشَرٌ مِثْلُنَـا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَــمِنْ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَـلَيْنَا كِسَفاً مِــنْ السَّمَـــاءِ إِنْ كُنْتَ مِـــنْ الصَّــادِقِـينَ * قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} ويوم الظلة ذكر المفسرون أن الله سبحانه وتعالى ألقى عليهم حــرًا شــديدًا يـصـلاهم في بــيوتــهـم
ومساكنهم، فلما اشتد عليهم الحر في بيوتهم خرجوا إلى الصحارى وهي مــلتهبة بسبب الرمضاء وأشـعة الشـمس المحرقة،
ثم إن الله سبحانه ساق سحابة لها ظل ففرحوا بها واجتمعوا تحتها ووجدوا فيها بردًا، فلما تكاملوا تحتها أمطرتـهم نــارًا تـلظّى
قـال الله تعالى {
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}ونجى الله شعيباً ومن معه من المؤمنين .
كما قال تعالى وهو أصدق القائلين:
{
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِــرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}.