أدب المطر

أدب المطر





من فضائل الله أن أنزل ماء مباركا سلكه ينابيع في الأرض، وأنبت به الزرع، وأدر به الضرع، إنه نعمة تتجدد كل حين فسماه الله رحمة: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا).

وعند تأخره يستسقي المسلمون لرفع قحطهم وجدبهم ، ملحين بطلبهم ، قال أصبغ: (استسقي للنيل بمصر خمساً وعشرين مرة متوالية).

عند نزول الغيث يخالج النفس السرور، وتغرد الطيور، ويزول أثر التلوث ويصفو الجو للعيون، وتزدان الأشجار والزروع، كما تزداد به الآبار والعيون.

كم تغنت العرب بالغيث وهطوله، وقطراته وسيوله، إذا لا غرابة بأن يطلق على العربي ابن ماء السماء ، فهو ملازمه حيث وجده ، وراحل إليه حيث علمه. ولا يعني استغناء البعض عن المطر أن حاجته انتهت ، بل هو مداد العيون والأنهار والآبار، متى تأخر غارت المياه.

وبما أننا في موسم الأمطار وهطولها بل وتكاثرها للتغيرات المناخية وقبله خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يكون أمام الدجال سنون خوادع ، يكثر فيها المطر ، ويقل فيها النبت ) رواه الطبراني، وروى الشافعي عن كعب مرفوعاً: ( إن السيول ستعظ في آخر الزمان ).

فإنه يجمل بنا أن نسوق شيئا من آداب المطر وفضائله تراعى عند نزول الغيث شكرا للمنعم، وحماية للنفس، وإظهاراً للافتقار وهي كالتالي:

1. التفاؤل عند رؤية السحاب ،وحسن الظن بالله مع الحذر مما قد تخفيه السحب ، ولك أن تقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه) ، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة سحاب تغير وجهه ، وأقبل وأدبر ، ودخل وخرج ، فإذا أمطرت سُرّي عنه. لأنه لا يعلم أتحمل رحمة أم عذابا.

2. إذا شاهدت المطر نازلاً فقل مرتين أو ثلاثاً : (اللهم صيباً نافعاً) هذا دعاء ليبارك الله فيه 0
وبعد النزول يشرع يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته) ، فأنت حينئذ تكون شاكراً وداعياً.

3. كشف الملابس عن بعض البدن ليصيبه الغيث طلباً لبركته ، فهكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل ويقول : (إنه حديث عهد بربه) رواه البخاري. وكان ابن عباس رضي الله عنه يُخرج فراشه ورحله ليصبها المطر ويقول: (أحب أن تصيب البركة رحلي وفراشي). وهذا عند أول مطرة في السنة.


4. الرعد والصواعق من آيات الله يخوف بها عباده ، وجاء الخبر في الحماية منها أن نقول : (سبحان من سبح الرعد وبحمده والملائكة من خيفته) ثلاث مرات من قالها عوفي من شرها. قال ابن عباس (فقلنا فعوفينا).
وأيضاً لك أن تقول (اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) ، وكان ابن الزبير يترك الحديث إذا سمع الرعد ، ويردد الدعاء الآنف. فإنّ مَن لزم ذكرها ؛ وقي شرها بإذن الله. ويعرف الجميع هول صوت الرعد والصواعق وما تسببه من فزع للقلوب ، ولكن مع الذكر تطمئن وتعود.

قال البغوي قال محمد الباقر: (الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ، ولا تصيب الذاكر) ، أيضا لا تنسَ العمل بالأسباب المادية المشروعة.

5. البرق قرين الرعد من أدبه عدم النظر إليه إذ في شدة ضوئه أثر على البصر (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) وإن قلت (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) كما كان ابن مسعود يقوله عند انقضاض الكوكب فحسن.

6. اجتناب الألفاظ المخلة بالعقيدة كنسبة المطر إلى غير الله قصدا أو بغير قصد ، كقول بعضهم : (مطرنا بنوء كذا وكذا) ، أو مطرنا بالنجم الفلان. أو بالمنخفض الجوي وغيره ، لأنه مِن نسبة المطر إلى غير الله.
ولكن يقول : (مطرنا في النجم الفلاني) ، فيأتي بالفاء بدل الباء ، فيكون المعنى: ( مطرنا وقت النجم الفلاني) في الصحيحين : (من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ، مؤمن بالكواكب).

7. عند كثرة الأمطار وتضرر الناس يشرع الاستصحاء ، وهو الدعاء لطلب كشف الغيم ، ورفع شدة المطر عن البلد ، وقصة الأعرابي ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم مشهور ، ومنه : (اللهم حوالينا ولا علينا......) ، يدعو به خطيب الجمعة إن كان وقت الجمعة ، وإلا عقب الصلوات لأنه نازلة. فإياك وسب المطر ولما يُلحقه من ضرر ، لأن مَن سبه ؛ فقد سب الله ، ولكن بالابتهال تزول الأهوال.

8. وقت نزول المطر أحد مواطن استجابة الدعاء في الأثر (اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش ، وإقامة الصلاة ، ونزول الغيث) رواه الشافعي وقال به جمع من العلماء منهم النووي والغزالي. وكلنا نرجو الإجابة فاظفر بها.

9. لا ينسيك الابتهاج بالغيث فتخرج من المألوف ، فلا شك أن الفرح بالمطر مطلب ، ولكن بقدر تحفظ به حقوق النفس وحق الآخرين. فلا انتهاك للقيم والأخلاق بحجة التعبير عن الفرح ، وربما انقلبت الفرحة ترحة والنعمة نقمة لا سمح الله. (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ).

10. عدم النزول في بطون الأودية وأماكن تجمع الأمطار عند هطولها لتحقق الضرر ، حيث مفاجأة السيول الجارفة ، وكان عمر رضي الله عنه إذا دفع ماله للتجارة به قال: (وإياك أن تضعه في بطن وادي) ، ولا يخدعنك عدم جريانه مدة طويلة ، فإنه لا محالة عائد إلى مسالكه. ولذا وادي الرمة انقطع أعواما عن الجريان ، وفي السبعينات جرى حتى انتهى إلى مصبه في الخليج ، جارفاً كل شيء أمامه ، حتى أزاح نفود الثويرات البارز بالزلفي ، شاقاً طريقه إلى وادي الباطن في الحفر ، سالكاً طريقه المعتاد. فلا تقتل نفسك ومن تعول ، واعلم أن حُرمة المؤمن أعظم عند الله من حُرمة الكعبة ،ولا تخفى عليك حرمتها.

11. التزام الإرشادات والتحذيرات المختلفة سواء من جهات أو أفراد ، لأن فيها الوقاية من أضرار السيول ، وإنها مِن نصح الأمة ، إذ في الإرشادات حماية ورعاية ُيتلافى بسببها بإذن الله كثيراً من المخاطر ، فكم هلك من مخالف ، ونجا مِن موافق.

12. الريح جند من جنود الله يرسلها على من يشاء رحمة أو عذاباً ، فيحسن عند هبوبها قول: (اللهم إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها ، وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به) رواه مسلم.

وقال الشافعي: لا ينبغي لأحد أن يسب الرياح، فإنها خلق الله تعالى ، وجند من أجناده ، يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء).
فقوم عاد أخذتهم الريح العقيم ، وسخرها سبحانه لسليمان رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ، ورواحها شهر ، فشتان بين الريحين..

13. مواساة أهل كوارث الأمطار ومناصرتهم ، وهو حق واجب يمليه الدين والأخوة ، ويكون بمد يد العون لهم، وإصلاح حالهم، وجبر كسر قلوبهم ، ورفع حوائجهم لمن ولاه الله أمرهم ، ليواسيهم ويفرج كربهم. فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. والأمة كالجسد الواحد قال أيوب السختياني: (إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة ؛ فكأن أعضائي تقطع) الله أكبر كأن المصاب مصابه.
ولا تتخذ مصابهم شماتة وهزوا ، فيصيبك ما أصاب القوم. ولا تقُل فتبتلى ..إن البلاء موكل بالمنطق

14. التأمل والتفكر في صنع الله وحكمته الباهرة بإنزال الغيث ، فإنّ فيه حِكَما تترى ، لا يدرك كنهها إلا العالمون.
تأمل السحاب مع رخاوته كيف يحمل الماء الثقيل في جو السماء ، ثم بإذن الله بإرسال الماء على ما شاء على شكل قطرات قطرة قطرة ، لا تلامس واحدة أختها ، وإذا السحاب يرش الماء على الأرض رشاً. كل قطراته تساق إلى جزء من الأرض ، لا تحيد عنه ، إنه صنع الله الذي بهر القلوب.
وتأمل الحكمة البالغة في إنزاله من أعلى إلى أسفل ، وهكذا أسقى تلال الأرض وظرابها وآكامها ، ومنخفضها ومرتفعها، ولو كانت الأرض تسقى بالغيث من أسفل لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر ، وذلك ضرر وفساد ، فاقتضت الحكمة حمل الماء في الجو ، ثم إنزاله على الأرض بعناية ولطف وحكمة.

وتفكر بنزول المطر بقدر الحاجة ، حتى إذا أخذت الأرض حاجتها منه؛ أقلع عنه ، فأعقبه الصحو ، إذ صلاح الأرض في تعاقب الغيم والصحو ، ولو توالت الأمطار لأهلكت ما على الأرض وأفسدت الحياة ، وقد كان هلاك قوم نوح بالغرق.

فالحمد لله على إعطائه المطر وإنزاله بقدر، وشموله لأهل البوادي والمدر والله الموفق

بارك الله فيك با نسيم ..
وشكراً لكِ .

اختيار اكثر من رائع
الله يجزاك خير

توجيهات هامه ونغفل عنها حقيقه
بوركتي نسيم ورفع الله قدرك