إن الحمد لله...، أما بعد:
فإن قلوب المؤمنين تترقب بلهفةٍ ذاك الشهرَ العظيم،
والضيفَ الكريم، الذي يرونه نعمة كبرى،
وهبةً عظمى من الرب الكريم،
لهذا كان السلفُ رضي الله عنهم يجعلون دخول شهر شعبان للاستعداد ا
لمبكّر لاستقبال رمضان،
حتى لا يدخل عليهم الشهرُ الفضيل إلا وقد روّضوا أنفسَهم
على ألوانٍ من الطاعات والقُربات.
ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سابِقهم إلى ذلك؛
فكان كثير الصيام في شعبان، حتى قالت أمنا عائشة رضي الله عنها:
((وما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان،
وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان))
([2])، وقد جاء في سنن النسائي - بسند قواه بعض أهل العلم -
وغيره بيانُ سبب كثرة هذا الصوم،
فقال صلى الله عليه وسلم:
((ذاك شهر يغفل عنه الناس))([3]).
قال ابن رجب رحمه الله: "
وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة،
وأن ذلك محبوبٌ لله عز وجل...،
ولذلك فُضّلَ القيامُ في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذِّكر
أيها المسلمون:
ولأجل هذا كان السلف يعتبرون دخول شعبان بمثابة الفترة التدريبية
التي تسبق دخول مضمار السباق،
والبوابةَ الممهِّدة للدخول في السباق الأخروي
، وأيقنوا أن الخيل التي لا تُضمَّر ولا تَتَدرب؛ لا تستطيع مواصلة السباق وقت المنافسة كما ينبغي،
بل قد تتفاجأ بتوقّفها أثناء الطريق..
وهذا ما يفسّر لنا حماسَ بعضِ الناس في أول أيام شهر رمضان،
ثم فتورهم في وسط الشهر وفي آخره.
وأيضاً: فمن الناس من يبقى عدة أيام وليالٍ في رمضان
وهو يدرّب نفسَه ويجاهدها،
فلا يشعر إلا وربعُ الشهر أو ثلثُه
قد فاته وهو ما يزال يُجري التمارين البدنية والقلبية، فيفوته خيرٌ كثير!
ولهذا – أيها الأحبة - لما كانت الصلاة أعظم الأعمال؛
جعل الله بين يديها من الأعمال ما يعين على تلقيها بما ينبغي لها:
-
فشُرع لها الأذان.
- ومشروعية تقدم الرجال للمسجد.
- ومشروعية السنن الرواتب لها، إما قبلها أو بعدها؛
حتى يتهيأ العبدُ لهذه الفريضة
التي هي من أعظم ما فرض الله على العباد، ويرقع ما وقع فيها من نقص.
والعاقلُ من عرف شرف زمانه، وقيمة حياته، وعظّم مواسمَ الآخرة،
واستعد لهذا الزمان العظيم من الآن،
وهيأ قلبَه ليتلقى هبات الله له بقلب سليمٍ،
متخفِّف مما ينغّص عليه التلذذ بالطاعات.
اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا للاستعداد له وتدارك ما انفرط من الأعمار